للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَالِ مَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ: «سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ، فَقَالَ لَا قَالَ فَبِنِصْفِهِ قَالَ لَا قَالَ فَبِثُلُثِهِ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّك إنْ تَدَعْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ فُقَرَاءَ يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»، وَفِي رِوَايَةٍ: يَتَكَفْكَفُونَ، وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ مَا رُوِيَ: «أَنَّ سَعْدًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرِضَ بِمَكَّةَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُهُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْلُفُ عَنْ دَارِ الْهِجْرَةِ فَأَمُوتُ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: إنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ يُبْقِيَك اللَّهُ يَنْتَفِعَ بِك أَقْوَامٌ وَيُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ يُرْثَى لَهُ إنْ مَاتَ بِمَكَّةَ»، قِيلَ هَذَا مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إشَارَةٌ إلَى مَا جَرَى مِنْ الْفُتُوحِ عَلَى يَدِ سَعْدٍ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ «قَالَ: يَا رَسُولَ إنِّي لَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ»، الْحَدِيثَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَمَّ الْمُعْتَدِينَ فِي الْوَصِيَّةِ وَالتَّعَدِّي فِي الْوَصِيَّةِ مُجَاوَزَةُ حَدِّهَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٢٩]، وَفِي الْحَدِيثِ: «الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ»، وَالْحَيْفُ هُوَ الظُّلْمُ وَالْمَيْلُ وَذَلِكَ بِمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ الْمَحْدُودِ شَرْعًا بِأَنْ يُوصِيَ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ أَوْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عَلَى الْإِضْرَارِ بِوَرَثَتِهِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ: «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ»، ثُمَّ بَيَّنَ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: «إنَّك إنْ تَدَعْ عِيَالَك أَغْنِيَاءَ»، مَعْنَاهُ وَرَثَتُك أَقْرَبُ إلَيْك مِنْ الْأَجَانِبِ فَتَرْكُ الْمَالِ خَيْرٌ لَك مِنْ الْوَصِيَّةِ فِيهِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ التَّعْلِيلَ فِي الْوَصِيَّةِ أَفْضَلُ وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَقَالَ: لَأَنْ يُوصِيَ بِالْخُمُسِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ يُوصِيَ بِالرُّبُعِ وَلَأَنْ يُوصِيَ بِالرُّبُعِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ يُوصِيَ بِالثُّلُثِ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ ذَلِكَ وَزَادَ وَقَالَ: مَنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ فَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يَعْنِي لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِمَّا جَعَلَ لَهُ الشَّرْعُ حَقَّ الْوَصِيَّةِ فِيهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْقَلِيلَ فِي الْوَصِيَّةِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْعَدَ وَحْشَةَ الْوَرَثَةِ، فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى بِجَمِيعِ الثُّلُثِ قَالَ الْوَارِثُ لَا مِنَّةَ لَهُ عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَا تَرَكَ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا لِعَجْزِهِ عَنْ تَنْفِيذِهِ شَرْعًا وَحَقُّ الْوَارِثِ ثَبَتَ فِي مَالِهِ شَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمُلُ الْعَيْشَ وَتَخْشَى الْفَقْرَ حَتَّى إذَا بَلَغَ هَذَا - وَأَشَارَ إلَى التَّرَاقِي - قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا كَانَ ذَلِكَ» وَإِنْ لَمْ يَقُلْ، وَإِنَّمَا تَحِلُّ الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ شَرْعًا لِمَنْ يَتْرُكُ مَالًا كَثِيرًا يَسْتَغْنِي وَرَثَتُهُ بِثُلُثِهِ إمَّا لِكَثْرَةِ الْمَالِ أَوْ لِقِلَّةِ الْوَرَثَةِ هَكَذَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا اسْتَأْذَنَهُ رَجُلٌ فِي الْوَصِيَّةِ لِمَنْ يَتْرُكُ خَيْرًا يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى: {إنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٠]، ثُمَّ يَسْتَدِلُّ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ: «الْغَنِيَّ الشَّاكِرَ أَفْضَلُ مِنْ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ»، فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدَّمَ صِفَةَ الْغِنَى لِوَرَثَةِ سَعْدٍ، فَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>