«لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرِئٍ حَتَّى يَضَعَ الطَّهُورَ مَوَاضِعَهُ فَيَغْسِلُ، وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ»، وَلَا شَكَّ أَنَّ حَرْفَ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ.
(وَلَنَا) مَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي سُنَنِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَيَمَّمَ فَبَدَأَ بِذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ بِوَجْهِهِ»، وَالْخِلَافُ فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ فِي وُضُوئِهِ فَتَذَكَّرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَمَسَحَهُ بِبَلَلٍ فِي كَفِّهِ»، وَلِأَنَّ الرُّكْنَ تَطْهِيرُ الْأَعْضَاءِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِدُونِ التَّرْتِيبِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ التَّرْتِيبُ، وَمُوَاظَبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ فَقَدْ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى السُّنَنِ كَمَا وَاظَبَ عَلَى الْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَأَهْلُ اللُّغَةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقْتَضِيَ جَمْعًا، وَلَا تَرْتِيبًا فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ جَاءَنِي زَيْدٌ، وَعَمْرٌو كَانَ إخْبَارًا عَنْ مَجِيئِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ فِي الْمَجِيءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣] فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى تَرْتِيبِ الرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ، وَكَذَلِكَ فِي الْآيَةِ أَمَرَ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ لَا بِالتَّرْتِيبِ فِي الْغُسْلِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ ثُبُوتَ الْحَدَثِ فِي الْأَعْضَاءِ لَا يَكُونُ مُرَتَّبًا فَكَذَلِكَ زَوَالُهُ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ، وَبِهِ نَقُولُ.
(وَإِنْ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ، وَتَرَكَ الْبَعْضَ حَتَّى جَفَّ مَا قَدْ غَسَلَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا)، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُوَالَاةُ رُكْنٌ فَلَا يُجْزِئُهُ تَرْكُهُ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاظَبَ عَلَى الْمُوَالَاةِ» فَلَوْ جَازَ تَرْكُهُ لَفَعَلَهُ مَرَّةً تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ.، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إنْ كَانَ فِي طَلَبِ الْمَاءِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْوُضُوءِ فَإِنْ كَانَ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَجَفَّ وَجَبَ عَلَيْنَا إعَادَةُ مَا جَفَّ، وَجَعْلُهُ قِيَاسَ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ إذَا اشْتَغَلَ فِي خِلَالِهَا بِعَمَلٍ آخَرَ.
(وَلَنَا) مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ تَطْهِيرُ الْأَعْضَاءِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِدُونِ الْمُوَالَاةِ، وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ فَلَوْ شَرَطْنَا الْمُوَالَاةَ كَانَ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مُوَاظَبَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تَكُونُ لِبَيَانِ السُّنَّةِ، وَأَفْعَالُ الصَّلَاةِ تُؤَدَّى بِنَاءً عَلَى التَّحْرِيمَةِ، وَالِاشْتِغَالُ بِعَمَلٍ آخَرَ مُبْطِلٌ لِلتَّحْرِيمَةِ فَكَانَ مُفْسِدًا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ أَرْكَانَ الْوُضُوءِ لَا تَنْبَنِي عَلَى التَّحْرِيمَةِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ الْكَلَامُ فِي الْوُضُوءِ مُفْسِدًا لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (، وَلَا يُفْسِدُ خُرْءُ الْحَمَامِ، وَالْعُصْفُورِ الْمَاءَ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَنَا)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَجِسٌ يُفْسِدُ الْمَاءَ، وَالثَّوْبَ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ مِنْ غِذَاءِ الْحَيَوَانِ إلَى فَسَادٍ لَكِنْ اسْتَحْسَنَهُ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute