للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَعِنْدَ الْبُدَاءَةِ بِالْمُحَابَاةِ يَتَرَجَّحُ بِالسَّبْقِ وَبِقُوَّةِ السَّبَبِ، فَقَالَ يَبْدَأُ بِهَا، وَعِنْدَ الْبُدَاءَةِ بِالْعِتْقِ يَسْتَوِيَانِ مِنْ حَيْثُ إنَّ لِلْعِتْقِ قُوَّةَ السَّبْقِ وَقُوَّةَ الْحُكْمِ وَلِلْمُحَابَاةِ قُوَّةَ السَّبَبِ وَالْمُعْتَبَرُ أَوَّلًا السَّبَبُ، فَإِنَّ الْحُكْمَ يَنْبَنِي عَلَى السَّبَبِ فَيَتَحَاصَّانِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوْضِعِهَا.

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ فِي رَجُلٍ يُوصِي إلَى رَجُلٍ فَيَمُوتُ الْمُوصَى إلَيْهِ فَيُوصِي إلَى رَجُلٍ آخَرَ، فَإِنَّ وَصِيَّتَهُمَا جَمِيعًا صَحِيحَةٌ وَبِهِ نَأْخُذُ، فَإِنَّ الْوَصِيَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي فِي وِلَايَتِهِ فِي الْمَالِ، وَقَدْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ فِي مَالِهِ وَمَالِ الْمُوصِي الْأَوَّلِ فَيَخْلُفُهُ وَصِيُّهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ - بَعْدَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ - التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الْمُوصِي الْأَوَّلِ مِنْ حَوَائِجِ الْوَصِيِّ كَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُقِيمُ الْمُوصِي مَقَامَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ حَاجَتِهِ.

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الرَّجُلِ يُوصِي لِأُمِّ وَلَدِهِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ فَيَمُوتُ قَالَ هُوَ مِيرَاثٌ، وَإِنْ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ لَهَا بِوَصِيَّةٍ فَهُوَ لَهَا مِنْ الثُّلُثِ وَالْمُرَادُ بِوَصِيَّتِهِ لَهَا فِي صِحَّتِهِ الْإِقْرَارُ وَالْهِبَةُ لَا الْوَصِيَّةُ الْمُضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الصِّحَّةِ وَحَالَةَ الْمَرَضِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَبِهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ الْهِبَةُ لِأُمٍّ الْوَلَدِ وَالْإِقْرَارُ لَهَا بِالدَّيْنِ بَاطِلٌ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَكَسْبُهَا لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْقِنَّةِ، فَأَمَّا وَصِيَّتُهُ لَهَا مُضَافَةً إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَصَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِالْمَوْتِ وَوُجُوبُ الْوَصِيَّةِ يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْوَصِيَّةُ لَهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ لِجَارِيَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ عِنْدَ مَوْتِهِ بِدَيْنٍ لِوَارِثٍ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ بِالدَّيْنِ جَازَ وَلَوْ أَحَاطَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَبِهِ نَأْخُذُ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ.

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الْمَرْأَةِ يَضْرِبُهَا الطَّلْقُ قَالَ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ فِي الْوَصِيَّةِ وَالتَّبَرُّعِ. وَالطَّلْقُ اسْمٌ لِوَجَعِ الْوِلَادَةِ وَيُسَمَّى ذَلِكَ مَخَاضًا أَيْضًا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: ٢٣] وَمَتَى أَخَذَهَا وَجَعُ الْوِلَادَةِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفَتْ عَلَى الْهَلَاكِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَأْخُذُهَا الْوَجَعُ، ثُمَّ يَسْكُنُ فَبِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْوَجَعِ لَا تَصِيرُ فِي التَّبَرُّعَاتِ كَالْمَرِيضَةِ بِمَنْزِلَةِ مَرِيضٍ يَعْقُبُهُ بُرْءٌ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ كَالْمَرِيضَةِ إذَا أَخَذَهَا الْوَجَعُ الَّذِي يَكُونُ آخِرُهُ انْفِصَالَ الْوَلَدِ عَنْهَا مِنْ سَلَامَتِهَا بِهِ أَوْ مَوْتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَرَضُ الْمَوْتِ وَمَرَضُ الْمَوْتِ مَا يَتَّصِلُ بِهِ مَنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ فِي الْفَضْلِ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُمْ كِبَارٌ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ بِمَرَضِهِ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الثُّلُثَ مَحَلًّا لِوَصِيَّةِ الْمُوصِي لِيَتَدَارَكَ بِهِ مَا فَرَّطَ فِي حَيَاتِهِ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِهِ، فَقَدْ قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِوَرَثَتِهِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِمْ عَمَّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ وَإِيثَارِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مَنْ آثَرَهُ الشَّرْعُ، وَهُوَ الْوَارِثُ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>