أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَيْ وَصِيَّتِهِ وَبَطَلَ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إبْطَالِ الْفَضْلِ عَلَى الثُّلُثِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمْ بِإِبْطَالِهَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَقَدْ اسْتَوَوْا فِي اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثِ فَكَذَا فِي إبْطَالِهِ فَيَنْقُصُ مِنْ وَصِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَبْلَغِ الْوَصَايَا وَإِلَى ثُلُثِ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِقْدَارَ الثُّلُثِ يَنْقُصُ مِنْ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الثُّلُثَ، وَإِنْ كَانَ نِصْفًا النِّصْفُ. وَتَفْسِيرُهُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِدَارٍ قِيمَتُهَا مِائَتَانِ فَذَلِكَ كُلُّهُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ فَالزِّيَادَةُ مِقْدَارُ الثُّلُثِ فَيَنْقُصُ مِنْ وَصِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِقْدَارُ الثُّلُثِ فَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثَا الْعَبْدِ وَلِصَاحِبِ الدَّارِ ثُلُثَا الدَّرَاهِمِ وَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ ثُلُثَا الثَّوْبِ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ.
وَإِذَا أَوْصَى لِذَوِي قَرَابَتِهِ بِالثُّلُثِ، فَإِنَّ ذَوِي قَرَابَتِهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُنَا خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ إمَّا أَنْ يُوصِيَ لِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِأَقَارِبِهِ أَوْ لِأَنْسَابِهِ أَوْ لِأَرْحَامِهِ أَوْ لِذَوِي أَرْحَامِهِ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مَا سِوَى الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، وَمَنْ لَا يَرِثُ وَالْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ يَدْخُلُ فِيهَا جَمِيعُ ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ كُلُّ مَنْ يَجْمَعُهُ وَأَبَاهُ أَقْصَى أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ وَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ ذُو الرَّحِمِ وَغَيْرُ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالِاخْتِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَصْرِفُ إلَى ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَلَا يَصْرِفُ إلَى غَيْرِهِمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَصْرِفُ إلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهَا الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»، وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ الِاثْنَانِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ ذَوِي لَفْظُ جَمْعٍ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ فِي الْمِيرَاثِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْأَخَوَيْنِ يَنْقُلَانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ فَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ إذْ هِيَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ فَلِذَلِكَ لَا يَصْرِفُ إلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمَا يُسَمَّيَانِ قَرَابَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: ١٨٠] مِنْ بَيْنِهِمَا فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ غَيْرُ الْقَرَابَةِ، فَإِذَا خَرَجَ الْأَبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا لِلِابْنِ خَرَجَ الِابْنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا لِلْأَبِ وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهَا الْجُدُودُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ فَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَدَّ وَوَلَدَ الْوَلَدِ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ وَوَلَدَ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَا الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ بِالْوَصِيَّةِ صِلَةَ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute