يَكُونُ وَقْتَ الْمَوْتِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ رَبِحَ فِي الْمَالِ رِبْحًا أَوْ زَادَ فِي الْمَالِ شَيْئًا أَنَّ لَهُ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَتْ الْغَنَمُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ مِنْ الْأَصْلِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَكَذَا الْعُرُوض كُلُّهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَعَلَّقَتْ بِهِ فَالْهَلَاكُ يُبْطِلُهَا، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فَاسْتَفَادَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْعَيْنِ، وَأَنَّهَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي أَوْ قَفِيزٌ مِنْ حِنْطَتِي، ثُمَّ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ وَلَا حِنْطَةٌ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْأَصْلِ غَنَمٌ وَلَا حِنْطَةٌ وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ مَالِي أَوْ قَفِيزُ حِنْطَةٍ مِنْ مَالِي أَوْ ثَوْبٌ مِنْ مَالِي فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَيُعْطِي لَهُ قِيمَةَ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهَا إلَى مَالِهِ فَالْمَالُ اسْمٌ لِلْجِنْسِ يَتَنَاوَلُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَالْعُرُوضَ وَنَحْوَهَا وَالشَّاةُ لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ هَذَا الْمَالِ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ قِيمَةَ شَاةٍ مِنْ مَالِهِ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ غَنَمِي وَلَا مِنْ مَالِي فَمَاتَ وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى لَهُ شَاةً أَوْ قِيمَةَ شَاةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ قَالَ إذَا قَالَ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ جَارِيَةٌ مِنْ السَّبْيِ، فَإِنْ كَانَ فِي السَّبَايَا جَارِيَةٌ، فَإِنَّهُ يُعْطَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى لَهُ، وَلَوْ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ جَارِيَةٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ السَّبْيِ، فَإِنَّهُ يُعْطَى جَارِيَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ كَذَلِكَ هُنَا.
وَلَوْ أَوْصَى لِلرَّجُلِ بِثَوْبٍ، ثُمَّ قَطَّعَهُ وَخَاطَهُ قَمِيصًا، فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُغَيِّرَهُ عَنْ جِنْسِهِ أَوْ يَزِيدَ فِيهِ أَوْ يُنْقِصَهُ أَمَّا إذَا غَيَّرَهُ عَنْ جِنْسِهِ كَانَ رُجُوعًا كَمَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِثَوْبٍ، ثُمَّ قَطَّعَهُ وَخَاطَهُ قَمِيصًا أَوْ أَوْصَى لَهُ بِقُطْنٍ، ثُمَّ غَزَلَهُ أَوْ بِغَزْلٍ، ثُمَّ نَسَجَهُ أَوْ بِحَدِيدَةٍ، ثُمَّ صَاغَ مِنْهَا إنَاءً أَوْ سَيْفًا أَوْ بِفِضَّةٍ، ثُمَّ صَاغَ مِنْهَا خَاتَمًا أَوْ غَيْرَهُ كَانَ رُجُوعًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا غَيَّرَهُ عَنْ حَالِهِ اُسْتُدِلَّ بِهِ أَنَّهُ أَرَادَ الرُّجُوعَ إذَا لَوْ كَانَ مِنْ قَصْدِهِ الْبَقَاءُ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِمَا كَانَ يُغَيِّرُهُ عَنْ حَالِهِ فَاَلَّذِي أَوْصَى بِهِ يُوجَدُ وَاَلَّذِي وُجِدَ لَمْ يُوصَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَيْئًا آخَرَ، وَأَمَّا إذَا زَادَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً لَهَا قِيمَةٌ مِثْلَ الثَّوْبِ إذَا صَبَغَهُ وَالسَّوِيقِ إذَا لَتَّهُ بِالسَّمْنِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِدَارٍ وَلَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ فَبَنَى فِيهَا كَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِبَذْلٍ، وَقَدْ جَعَلَ وَصِيَّتَهُ بِغَيْرِ بَذْلٍ فَلَمَّا لَمْ يُتَوَصَّلْ إلَيْهِ إلَّا بِبَذْلٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ أَنَّهُ أَبْطَلَ الْوَصِيَّةَ، وَأَمَّا إذَا زَادَ شَيْئًا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَذْلٍ كَمَا إذَا أَوْصَى بِدَارٍ، ثُمَّ جَصَّصَهَا أَوْ طَيَّنَهَا فَذَلِكَ لَا يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَحْسِينٌ وَتَزْيِينٌ وَيُتَوَصَّلُ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَذْلٍ فَلَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ الْبَقَاءِ عَلَى الْوَصِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِثَوْبٍ، ثُمَّ غَسَلَهُ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِإِزَالَةِ الدَّرَنِ وَالْوَسَخِ، وَأَمَّا إذَا نَقَصَهُ، فَإِنْ كَانَ نُقْصَانًا يَبْقَى الْغَيْرُ مَعَ ذَلِكَ النُّقْصَانِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا كَمَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِثُبُوتٍ، ثُمَّ قَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute