بِهِ وَلَمْ يُسَمِّ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَلَكِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا كَمَا إذَا أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِرَجُلٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ لِأَحَدٍ وَلَكِنَّهُ جَحَدَ وَصِيَّةَ الْأَوَّلِ، وَقَالَ لَمْ أُوصِ لَهُ، فَهَذَا رُجُوعٌ هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ إذَا قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوصِ لَهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قِيَاسِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ رُجُوعًا وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ لِاخْتِلَافِ الْوَضْعِ أَمَّا مَنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فَوَجْهُ مَنْ قَالَ إنَّهُ رُجُوعٌ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَالنَّقْصَ فَكَانَ الْجُحُودُ رُجُوعًا كَمَا إذَا جَحَدَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ كَانَ حَجْرًا عَلَى الْوَكِيلِ وَالْمُتَبَايِعِينَ إذَا جَحَدَا الْبَيْعَ كَانَ إقَالَةً مِنْهُمَا. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ رُجُوعًا أَنَّ الْوَصِيَّةَ وُجُوبُهَا بِالْمَوْتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ بَعْدَ الْوَفَاةِ، فَإِذَا قَالَ لَمْ أُوصِ لَهُ بِشَيْءٍ فَهُوَ صَادِقٌ فِي مَقَالَتِهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ لَهُ الْوَصِيَّةَ بَعْدُ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا، وَمَنْ فَرَّقَ لِاخْتِلَافِ الْوَضْعِ قَالَ هُنَا جَحَدَ الْوَصِيَّةَ فَكَانَ رُجُوعًا، وَفِي الْجَامِعِ لَمْ يَجْحَدْ وَلَكِنْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوصِ لَهُ بِشَيْءٍ، فَقَدْ أَمَرَ الشُّهُودَ أَنْ يَكْذِبُوا عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُعَلَّى فِي نَوَادِرِهِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْجُحُودَ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ رُجُوعًا فَمَا ذُكِرَ هُنَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الرُّجُوعَ فَسْخٌ وَرَفْعٌ لِلْعَقْدِ الثَّابِتِ وَجُحُودُ أَصْلِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ تَصَرُّفًا فِيهِ بِالرَّفْعِ كَمَا أَنَّ جُحُودَ النِّكَاحِ مِنْ الزَّوْجِ لَا يَكُونُ رَفْعًا بِالطَّلَاقِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ بِالْجُحُودِ يُبْقِي الْعَقْدَ فِي الْمَاضِي، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ نَفْيُ الْعَقْدِ فِي الْحَالِ وَالثَّابِتُ بِضَرُورَةِ النَّصِّ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ، وَهُوَ يَمْلِكُ نَفْيَ الْعَقْدِ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ فِي الْمَاضِي وَبِهِ فَارَقَ النِّكَاحَ؛ لِأَنَّ نَفْيَ النِّكَاحِ مِنْ الْأَصْلِ يَقْتَضِي نَفْيَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَنْ الْمَحَلِّ إلَّا أَنَّهُ يَقْتَضِي إيقَاعَ الطَّلَاقِ عَلَى الْمَحَلِّ فِي الْحَالِ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ غَنَمِهِ أَوْ إبِلِهِ أَوْ طَعَامِهِ أَوْ شَيْءٍ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَاسْتُحِقَّ الثُّلُثَانِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ هَلَكَ وَبَقِيَ الثُّلُثُ وَلَهُ مَالٌ كَثِيرٌ يُخْرِجُ الْبَاقِيَ مِنْ ثُلُثِهِ فَلِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ، وَقَالَ زُفَرُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَذَلِكَ، وَفِي الْهَلَاكِ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ مَا كَانَ يَمْلِكُ إلَّا الثُّلُثُ، وَأَنَّ تَصَرُّفَهُ تَنَاوَلَ ذَلِكَ الثُّلُثَ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ بِالْعَيْنِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فِي الْمَحَلِّ، فَأَمَّا بِالْهَلَاكِ فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْهَالِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِلْكِهِ وَقْتَ الْإِيجَابِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهُ الثُّلُثُ شَائِعًا فَمَا هَلَكَ يَهْلَكُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَمَا لَمْ يَبْقَ يَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ إنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ هُوَ الْبَاقِي فِي الْفَصْلَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute