الْمَوْتِ يَتِمُّ وَالْآخَرُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِتَنْفِيذٍ مِنْ الْمُوصَى بَعْدَ مَوْت الْمُوصِي وَالتَّرْجِيحُ يَقَعُ بِالسَّبْقِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُنَفَّذَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَحَقٌّ اسْتِحْقَاقَ الدُّيُونِ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يَنْفَرِدُ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ إذَا ظَفِرَ بِحَبْسِ حَقِّهِ، وَهَهُنَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ بِنَفْسِ الْمَوْتِ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَالْعِتْقُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الدَّيْنِ يُقَدَّمُ أَيْضًا فَأَمَّا مَا يُحْتَاجُ إلَى تَنْفِيذِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهُوَ لَيْسَ فِي مَعْنَى الدَّيْنِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْوَصَايَا.
وَلَوْ أَعْتَقَ أُمَّتَهُ فِي مَرَضِهِ فَوَلَدَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ أَوْ بَعْدَ مَا مَاتَ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُهَا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا وَلَدَتْ، وَهِيَ حُرَّةٌ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى أَصْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَاةَ عِنْدَهُمَا حُرَّةٌ عَلَيْهَا دَيْنٌ، وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ نَافِذٌ عِنْدَهُمَا كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا فَعَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ مَا دَامَتْ تَسْعَى وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ لَا يَثْبُتُ فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَيْنِ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ رَقَبَتِهَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الْمَوْلَى فِي وَلَدِهَا حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُ الْوَلَدِ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهَا مِنْ السِّعَايَةِ كَانَ عَلَى وَلَدِهَا أَنْ يَسْعَى فِيمَا عَلَى أُمِّهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ فَلَا يَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ فِي دَيْنِ أُمِّهِ بَعْدَ مَوْتِهَا.
وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ قَالَ: إنْ حَدَثَ لِي حَدَثٌ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ تَحَاصَّا فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي مَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَيَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ مُسَمًّى لَمْ تَجُزْ كَمَا لَوْ وَهَبَ لَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ فَفِي حَيَاتِهِ الْمِلْكُ لَهُ فِي الْمُوصَى بِهِ، وَالْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ الْمِلْكُ لِوَرَثَتِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ لَا تُفِيدُ شَيْئًا، وَالْعُقُودُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَنْعَقِدُ خَالِيَةً عَنْ فَائِدَةٍ.
قَالَ: وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ رَقَبَتِهِ عَتَقَ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ، وَسَعَى فِي الْبَاقِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وُهِبَ لَهُ بَعْضَ رَقَبَتِهِ فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَجَزَّأُ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ كُلِّهَا عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ لَهُ رَقَبَتَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ تَتَنَاوَلُ ثُلُثَ رَقَبَتِهِ فَإِنَّ رَقَبَتَهُ مِنْ مَالِهِ فَيُعْتَقُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهُ بِالْمَوْتِ وَيَصِيرُ عِنْدَهُمَا حُرًّا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِالْمَالِ فَإِذَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ أُكْمِلَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ رَقَبَتِهِ، وَأُعْطِيَ مَا فَضَلَ عَلَى ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَلَى الثُّلُثِ سَعَى فِيهِ لِلْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute