مَاتَ الْمُوصِي، ثُمَّ قَبِلَ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً؛ لِأَنَّ بِرَدِّهِ فِي وَجْهِهِ بَطَلَتْ الْوِصَايَةُ فَلَا يُمْكِنُ قَبُولُهَا بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلَوْ أَنَّهُ رَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِ الْمُوصِي، ثُمَّ قَبِلَهَا بِأَنْ سَمِعَ كَلَامَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ وَصِيًّا عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ وَصِيًّا؛ لِأَنَّ رَدَّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِ الْمُوصِي إنَّمَا يَتِمُّ إذَا بَلَغَ الْمُوصِي فَإِذَا لَمْ يَبْلُغْهُ حَتَّى قَبِلَ صَارَ كَأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يُوجَدْ.
وَلَكِنَّا نَقُولُ: قَبْلَ الْقَبُولِ هُوَ يَنْفَرِدُ بِالرَّدِّ فِي وَجْهِ الْمُوصِي، وَفِي حَالِ غَيْبَتِهِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلَوْ قَبِلَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ رَدَّهَا فِي حَيَاتِهِ فَقَدْ لَزِمَتْهُ الْوَصِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبِلَهَا فِي وَجْهِهِ بَلْ؛ لِأَنَّ أَوَانَ وِلَايَتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْقَبُولُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ أَلْزَمَ مِنْهُ قَبْلَ أَوَانِهِ، ثُمَّ دَلِيلُ الْقَبُولِ كَصَرِيحِ الْقَبُولِ حَتَّى لَوْ بَاعَ بَعْضَ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ أَوْ اشْتَرَى لِلْوَرَثَةِ بَعْضَ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ أَوْ اقْتَضَى مَالًا أَوْ قَضَاهُ لَزِمَتْهُ الْوَصِيَّةُ لِوُجُودِ دَلِيلِ الْقَبُولِ وَالرِّضَى بِهِ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ إذَا وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِجَازَةِ أَوْ الْفَسْخِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِبَرِيرَةَ: إنْ وَطِئَك الزَّوْجُ فَلَا خِيَارَ لَك»، وَإِذَا اشْتَكَى الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى تَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ اخْتَارَهُ وَرَضِيَ بِهِ وَالشَّاكِي قَدْ يَكُونُ ظَالِمًا فِي شَكْوَاهُ فَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خِيَانَتَهُ لَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى النِّيَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ فِي النَّظَرِ لَهُ وَالِاسْتِبْدَالِ بِهِ، فَإِنْ عَلِمَ مِنْهُ خِيَانَةً عَزَلَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ اعْتَمَدَ فِي اخْتِيَارِهِ أَمَانَتَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِخِيَانَتِهِ عَزَلَهُ وَالْقَاضِي بَعْدَ مَوْتِهِ قَائِمٌ مُقَامَهُ نَظَرًا مِنْهُ لِلْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ هُوَ الَّذِي شَكَا إلَى الْقَاضِي عَجْزَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ عَلِمَ عَدَالَتَهُ وَعَجْزَهُ عَنْ الِاسْتِبْدَالِ ضَمَّ إلَيْهِ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يَتَصَرَّفَ الْوَصِيُّ بِالْعَجْزِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي حُقُوقِ نَفْسِهِ أَوْ يَتْرُكَ التَّصَرُّفَ فِي حَوَائِجِ الْمُوصِي فَيَتَمَكَّنُ الْخَلَلُ فِي مَقْصُودِهِ وَيَرْتَفِعُ هَذَا الْخَلَلُ بِضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ ظَهَرَ عِنْدَهُ عَجْزُهُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ اسْتَبْدَلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
وَلَوْ ظَهَرَ عِنْدَ الْمُوصِي فِي حَيَاتِهِ عَجْزُهُ اسْتَبْدَلَ بِهِ فَكَذَلِكَ مَنْ قَامَ مُقَامَهُ فِي النَّظَرِ، وَهُوَ الْقَاضِي.
وَإِذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ أَجَازَ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وِلَايَةٌ، وَالرِّقُّ يَنْفِي وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَمْنَعُ وِلَايَتَهُ عَلَى غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لِمَوْلَاهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّبَرُّعِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ إجَازَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِعَارَةِ مِنْهُ لِلْعَبْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ، فَإِذَا رَجَعَ عَنْهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ التَّصَرُّفِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِهِ، وَالْوَرَثَةُ كِبَارٌ أَوْ فِيهِمْ كَبِيرٌ فَلِلْكَبِيرِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute