قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَكَانَ إلَى الْوَرَثَةِ إجَازَتُهُ وَرَدُّهُ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ عَلَى مَا وَصَفَهُ أَبُو يُوسُفَ.
وَأَمَّا الثُّلُثُ الَّذِي لَيْسَ إلَى الْوَرَثَةِ إجَازَتُهُ وَلَا رَدُّهُ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يُقَسَّمُ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ، وَقَدْ وُجِدَ هَاهُنَا مَحَلُّ الْقِسْمَةِ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ، وَمَحَلُّ الْقِسْمَةِ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِمَا جَمِيعًا فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النِّصْفَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ خَالِصًا وَالسُّدُسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ النِّصْفِ نِصْفَانِ ثُمَّ يَبْقَى الثُّلُثُ الَّذِي لَا إجَازَةَ فِيهِ لِلْوَرَثَةِ فَهُوَ بَيْنَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا كُلِّهِمْ يَقْتَسِمُونَهُ كَمَا كَانُوا يَقْتَسِمُونَهُ لَوْ لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ يَضْرِبُ فِيهِ صَاحِبُ الْجَمِيعِ وَصَاحِبُ النِّصْفِ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالثُّلُثِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَصَاحِبُ الرُّبْعِ بِثَلَاثٍ وَصَاحِبُ السُّدُسِ بِسَهْمَيْنِ فَإِذَا جَمَعْت بَيْنَ هَذِهِ السِّهَامِ بَلَغَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَإِذَا صَارَ سِهَامُ الثُّلُثِ سَبْعَةَ عَشَرَ فَسِهَامُ جَمِيعِ الْمَالِ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ ثُمَّ إذَا أَخَذَ الْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ نِصْفَ ذَلِكَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَنِصْفًا فَقَدْ انْكَسَرَ بِالْإِنْصَافِ فَأُضْعِفَهُ فَيَكُونُ سِهَامُ الْمَالِ مِائَةً وَاثْنَيْنِ مِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ قَالَ: وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْأَوَّلِ الَّذِي قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ لَكَانَتْ الْإِجَازَةُ بِبَعْضِ وَصِيَّةِ بَعْضِهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَارِثِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ أَنْ يُنْقِصَ نَصِيبَهُ بِالْإِجَازَةِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ فَأَجَازُوا فَفِي قِيَاسِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثُلُثُ الْمَالِ وَسُدُسُهُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ صَاحِبِ الثُّلُثِ نِصْفَيْنِ، وَالثُّلُثُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ صَاحِبِ السُّدُسِ أَثْلَاثًا فَنَصِيبُ صَاحِبِ السُّدُسِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ ثُلُثُ سُدُسٍ، وَهُوَ سَهْمٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا كَانَ لَهُ خُمُسُ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ يُضْرَبُ فِي الثُّلُثِ بِالسُّدُسِ بِسَهْمٍ وَيُضْرَبُ الْآخَرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ سَهْمَيْنِ فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ خَمْسَةً، وَسِهَامُ الْمَالِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَعِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ يُسَلَّمُ لَهُ سَهْمٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَيُنْتَقَصُ حَقُّهُ بِالْإِجَازَةِ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا، وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْجَمِيعِ يَأْخُذُ ثُلُثَيْ الْمَالِ ثُمَّ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ فَيَكُونُ أَخْمَاسًا قَالَ الْحَسَنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحَمَّدٌ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا فَإِنَّ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَنْتَفِعَ صَاحِبُ السُّدُسِ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ بِالْإِجَازَةِ أَصْلًا بَلْ يُسَلَّمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ وُجُودِ الْإِجَازَةِ مَا يُسَلَّمُ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْتَفِعُ إذَا انْفَرَدَ بِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْجَمِيعِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَفِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْإِجَازَةِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَهَبْت إلَيْهِ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِقَسْمِ الثُّلُثِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ تَكُونُ عَنْ مُوَافَقَةٍ فَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute