الدَّيْنِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ لَمْ يَحْنَثْ ثُمَّ مَا خَرَجَ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ أُخِذَ مِنْهُ ثُلُثُهُ حَتَّى خَرَجَ الدَّيْنُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ يُعَيِّنُ الْخَارِجَ مَالًا لَهُ فَيَلْتَحِقُ بِمَا كَانَ عَيْنًا فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَا يُقَالُ لِمَا لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ فَكَيْف يَثْبُتُ حَقُّهُ فِيهِ إذَا خَرَجَ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا غَيْرُ مُمْتَنَعٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ لَا يَثْبُتُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ فَإِذَا انْقَلَبَ مَالًا ثَبَتَ حَقُّهُ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ شَرِيكُ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ فِي الدَّيْنِ يَثْبُتُ بِالْإِرْثِ، وَلَا يَثْبُتُ بِالْوَصِيَّةِ كَالْمِلْكِ فِي الْقِصَاصِ، وَإِذَا تَعَيَّنَ الدَّيْنُ، وَالْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَهَذَا الْمُتَعَيَّنُ مَالُ الْمَيِّتِ جَعَلْنَاهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا حَتَّى يَكُونَ السَّالِمُ لِلْمُوصَى لَهُ قَدْرَ الثُّلُثِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمِائَةِ الْعَيْنِ وَثُلُثِ الدَّيْنِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ نَظِيرُ مَسَائِلِ الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ الْمُرْسَلِ، وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ الْعَيْنِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ التَّفْرِيعُ عَلَى نُقْصَانِ الْمَالِ بِالْهَلَاكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَهَا هُنَا التَّفْرِيعُ عَلَى نُقْصَانِ زِيَادَةِ الْمَالِ بِخُرُوجِ الدَّيْنِ، وَالْمَعْنَى جَامِعٌ لِلْفَصْلَيْنِ.
فَنَقُولُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ الْمِائَةِ الْعَيْنِ اقْتَسَمَا ثُلُثَ الْمِائَةِ الْعَيْنِ نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا قَبْلَ خُرُوجِ الدَّيْنِ سَوَاءٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ اسْتَحَقَّ ثُلُثَ الْمِائَةِ الْعَيْنِ فَإِذَا اجْتَمَعَا قُسِّمَ ثُلُثُ الْعَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا ضُمَّتْ إلَى الْعَيْنِ، وَكَانَ ثُلُثُ جَمِيعِ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْعَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ فِي خَمْسِينَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ فَيُجْعَلُ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثَلَاثَةً، وَالْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْعَيْنِ بِسَهْمَيْنِ فَيَكُونُ الْعَيْنُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ وَالثُّلُثَانِ عَشَرَةٌ ثُمَّ صَاحِبُ ثُلُثِ الْعَيْنِ حَقُّهُ مُقَدَّمٌ فَيَأْخُذُ خُمُسَ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْعَيْنِ، وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَ صَاحِبِ ثُلُثِ الْمَالِ، وَالْوَرَثَةِ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ شَرِيكُ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ.
قَالَ: وَلَوْ كَانَ أَوْصَى بِثُلُثِ الْعَيْنِ لِرَجُلٍ وَبِثُلُثِ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ لِآخَرَ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ اقْتَسَمَا ثُلُثَ الْعَيْنِ فَكَانَ لِصَاحِبَيْ الْوَصِيَّةِ ثُلُثُ ذَلِكَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الثُّلُثُ لِصَاحِبَيْ الْوَصِيَّةِ فِي الْعَيْنِ، وَالثُّلُثَانِ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُونَ فَقَدْ ظَهَرَ جَمِيعُ مَا هُوَ مَحَلُّ حَقِّ صَاحِبِ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّهُ فِي الْحَالِ الْمَحَلِّ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَصِيَّتُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ فَيُضْرَبُ هُوَ فِي الثُّلُثِ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، وَالْآخَرُ إنَّمَا يُضْرَبُ بِثُلُثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute