عَلَيْهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ فَهُوَ كَمَنْ تَبَرَّعَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ عَنْهُمْ بِاعْتِبَارِهِ.
(قَالَ): وَيُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهِ حَيْثُ هُوَ، وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِصَدَقَتِهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِحَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «مَنْ نَقَلَ عُشْرَهُ وَصَدَقَتَهُ عَنْ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ إلَى غَيْرِ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ فَعُشْرُهُ وَصَدَقَتُهُ فِي مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ» وَأَمَّا عَنْ رَقِيقِهِ فَإِنَّمَا يُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَيْثُ هُوَ وَإِنْ كَانُوا فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَحَكَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ فَقَالَ: يُؤَدِّي عَنْهُمْ حَيْثُ هُمْ، وَجَعَلَهُ قِيَاسَ زَكَاةِ الْمَالِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَاكَ مَوْضِعُ الْمَالِ لَا مَوْضِعَ صَاحِبِهِ فَهُنَا كَذَلِكَ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْمَوْلَى فِي ذِمَّتِهِ، وَرَأْسُ الْمَمَالِيكِ فِي حَقِّهِ كَرَأْسِهِ فَكَمَا أَنَّ فِي أَدَاءِ الصَّدَقَةِ عَنْ نَفْسِهِ يُعْتَبَرُ مَوْضِعُهُ فَكَذَلِكَ عَنْ مَمَالِيكِهِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ حَتَّى يَسْقُطَ بِهَلَاكِ الْمَالِ، وَهُنَا لَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَمَالِيكِ بَعْدَ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَوْلَى.
(قَالَ): رَجُلَانِ بَيْنَهُمَا مَمْلُوكٌ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَإِنَّ عِنْدَهُ الْوُجُوبَ عَلَى الْعَبْدِ، وَهُوَ كَامِلٌ فِي نَفْسِهِ، وَعِنْدَنَا الْوُجُوبُ عَلَى الْمَوْلَى عَنْ عَبْدِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَمْلِكُ مَا يُسَمَّى عَبْدًا فَإِنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لَيْسَ بِعَبْدٍ، وَعَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ هُوَ يَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدُّوا عَمَّنْ تُمَوِّنُونَ» وَهُمَا يُمَوِّنَانِهِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِمَا فَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ عَنْهُ.
(وَلَنَا) أَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ بِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَلَا وِلَايَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَبِمُجَرَّدِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَلَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ مَا لَمْ يَتَقَرَّرْ السَّبَبُ وَهُوَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ بِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ
(قَالَ): فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَمَالِيكُ لِلْخِدْمَةِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الصَّدَقَةُ فِي حِصَّتِهِ إذَا كَانَ كَامِلًا فِي نَفْسِهِ حَتَّى إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الصَّدَقَةُ عَنْ عَبْدَيْنِ، وَمَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُضْطَرِبٌ ذَكَرَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ هَذَا الْكِتَابِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ جَبْرًا فَلَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُسَمَّى عَبْدًا وَمُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّهُ يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ جَبْرًا وَبِاعْتِبَارِ الْقِسْمَةِ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute