للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَدَقَةُ الْفِطْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِلْوُجُوبِ كَمَا فِي وَلَدِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَبِسَبَبِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ شُغْلَهُ بِنَوْعٍ مِنْ خِدْمَتِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ عَلَى الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ يَنْفِي غِنَاهُ وَلَا صَدَقَةَ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ.

(قَالَ): فَإِنْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ عَبِيدًا فَلَيْسَ عَلَى الْمَوْلَى عَنْهُمْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُمْ لِلتِّجَارَةِ، وَفِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانَ اشْتَرَاهُمْ لِلْخِدْمَةِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَعَلَى الْمَوْلَى صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِرِقَابِهِمْ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِكَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رِقَابَهُمْ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ كَمَا لَا يَمْنَعُ مِلْكَهُ فِي رَقَبَتِهِ.

(قَالَ): وَزَكَاةُ الْفِطْرِ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَارِثًا كَانَ أَوْ مُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ فَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فَحَقُّهُ فِي الْمَنْفَعَةِ لَا فِي الرَّقَبَةِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمُسْتَعَارُ وَالْمُؤَاجَرُ تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ الْوَدِيعَةِ تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَنْهُ عَلَى الْمُودِعِ فَإِنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي عُنُقِهِ جِنَايَةٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ وَوِلَايَتَهُ لَا يَزُولُ بِهَذَا السَّبَبِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَنْهُ عَلَى الرَّاهِنِ إذَا كَانَ عِنْدَهُ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَفَضْلُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَلَا يُوجِبُ فِيهَا حَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ إنَّمَا حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَالِيَّةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِإِيجَابِ الصَّدَقَةِ وَفِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ عَلَى الرَّاهِنِ أَنْ يُؤَدِّيَ الصَّدَقَةَ عَنْهُ حَتَّى يَفُكَّهُ فَإِذَا فَكَّهُ أَعْطَاهَا لِمَا مَضَى، وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَفُكَّهُ فَلَا صَدَقَةَ عَنْهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَجَعَلَهُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ.

بَقِيَ الْكَلَامُ فِي بَيَانِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الصَّدَقَةِ وَذَلِكَ مِنْ الْبُرِّ نِصْفُ صَاعٍ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَاعٌ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ صَاعًا مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ وَالتَّقْدِيرُ بِنِصْفِ صَاعٍ شَيْءٌ أَحْدَثَهُ مُعَاوِيَةُ بِرَأْيِهِ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ مِنْ الشَّامِ فَقَالَ: لَا أَرَى إلَّا مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ طَعَامِكُمْ هَذَا وَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْآثَارَ فِيهِ قَدْ اخْتَلَفَتْ وَالْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ وَاجِبٌ وَالِاحْتِيَاطُ فِي إتْمَامِ الصَّاعِ وَقَاسَهُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ لِعِلَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>