وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ كَانَ بَاقِيًا كَانَ يَدْفَعُهُ النِّصْفَ بِالْجِنَايَةِ وَالنِّصْفَ بِنَقْضِ الْهِبَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى ذَلِكَ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَسْلَمُ لِوَرَثَةِ الْوَاهِبِ بِالْجِنَايَةِ إلَّا نِصْفُ الْعَبْدِ فَهُوَ بِالْإِعْتَاقِ مَا أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ إلَّا ذَلِكَ النِّصْفَ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةً وَنِصْفًا، يَسْلَمُ لَهُ بِالْهِبَةِ ثُلُثُ ذَلِكَ وَيَغْرَمُ قِيمَةً وَاحِدَةً قُلْنَا: عِنْدَ قِيَامِ الْعَبْدِ مَا يُرَدُّ مِنْهُ بِنَقْضِ الْهِبَةِ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَالِكِهِ هَدَرٌ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ بِرَدِّ الْقِيمَةِ لَا يَعُودُ شَيْءٌ مِنْ الْعَبْدِ إلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ، فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ مِنْ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَالِكِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعَبْدِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْجِنَايَةِ كُلِّهَا وَتَبَيَّنَ أَنَّ حَقَّ الْأَوْلِيَاءِ فِي قِيمَةٍ كَامِلَةٍ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ؛ فَلِهَذَا كَانَ التَّخْرِيجُ كَمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ قَتَلَ الْوَاهِبَ وَلَمْ يُعْتِقْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ، فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ، فَالْجَوَابُ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَدْفَعُ الْعَبْدَ كُلَّهُ: نِصْفَهُ بِالْجِنَايَةِ وَنِصْفَهُ بِنَقْضِ الْهِبَةِ، وَحُكْمُ الدَّفْعِ لَا يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ قِيمَتِهِ وَكَثْرَةِ قِيمَتِهِ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَةَ آلَافٍ فَدَاهُ بِالدِّيَةِ وَجَازَتْ الْهِبَةُ فِي جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْوَاهِبِ عِنْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، الْعَبْدُ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةُ آلَافٍ وَالدِّيَةُ، وَهِيَ عَشَرَةُ الْآفِّ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعَبْدَ خَارِجٌ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ فَلِهَذَا جَازَتْ الْهِبَةُ فِي جَمِيعِهِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ سِتَّةَ آلَافٍ وَاخْتَارَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَدَّ إلَى وَرَثَةِ الْوَاهِبِ رُبْعَهُ وَجَازَتْ الْهِبَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ يَفْدِيهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي الْأَصْلِ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ تُنَفَّذُ الْهِبَةُ فِي سَهْمٍ، ثُمَّ يُفْدَى ذَلِكَ السَّهْمُ بِمِثْلِهِ وَمِثْلَ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ مِثْلَهُ وَمِثْلُ ثُلُثِهِ، فَإِنَّمَا يُفْدَى كُلُّ سَهْمٍ مِنْ الْعَبْدِ بِمِثْلِهِ وَمِثْلِ ثُلُثِهِ وَيَزْدَادُ مَالُ الْوَاهِبِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَيُطْرَحُ مِنْ أَصْلِ حَقِّ وَرَثَةِ الْوَاهِبِ بِسَهْمٍ وَثُلُثَيْ سَهْمٍ يَبْقَى لَهُمْ ثُلُثُ سَهْمٍ وَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ سَهْمٌ فَاجْعَلْ كُلَّ ثَلَاثَةٍ سَهْمًا فَيَصِيرُ الْعَبْدُ عَلَى أَرْبَعَةٍ: ثَلَاثَةٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَسَهْمٌ لِوِرْثِهِ الْوَاهِبِ بِنَقْضِ الْهِبَةِ، ثُمَّ يَفْدِي الْمَوْهُوبُ لَهُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ بِمِثْلِهِ وَمِثْلِ ثُلُثِهِ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ فَيَسْلَمُ لِوَرَثَةِ الْوَاهِبِ سِتَّةٌ، وَقَدْ نَفَّذْنَا الْهِبَةَ فِي ثَلَاثَةٍ فَيَسْتَقِيمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ.
وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَذْكُرُ طَرِيقَةً أُخْرَى بَعْدَ هَذَا فَيَقُولُ: السَّبِيلُ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ أَلْفٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ فَقِيمَةُ الْعَبْدِ تَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَالدِّيَةُ ثَلَاثُونَ سَهْمًا، ثُمَّ تَجُوزُ الْهِبَةُ فِي ثُلُثِ الْعَبْدِ فَيَفْدِيهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ زِيَادَةٌ تَظْهَرُ فِي جَانِبِ وَرَثَةِ الْوَاهِبِ فَتُطْرَحُ مِنْ أَصْلِ نَصِيبِهِمْ فِي الْعَبْدِ، وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ وَعَشَرَةٌ يَبْقَى حَقُّهُمْ فِي سَهْمَيْنِ وَحَقُّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي سِتَّةٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ عَلَى ثَمَانِيَةٍ، فَإِنَّ الْهِبَةَ إنَّمَا تَجُوزُ فِي سِتَّةٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ. تَخْرِيجُهُ مِنْ حَيْثُ الدَّرَاهِمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute