كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: ١١] وَثَبَتَ أَنَّ لِلذَّكَرِ ضِعْفَ هَذَا وَضِعْفُ النِّصْفِ الْجَمِيعُ. وَثَبَتَ ذَلِكَ اسْتِدْلَالًا بِآيَةِ الْإِخْوَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: ١٧٦] أَيْ يَرِثُهَا جَمِيعَ الْمَالِ.
وَإِذَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ لِلْأَخِ جَمِيعَ الْمَالِ ثَبَتَ لِلِابْنِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِأَنَّ الْأَخَ وَلَدُ أَبِيهَا وَوَلَدُهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ وَلَدِ أَبِيهَا وَالْمِيرَاثُ يَنْبَنِي عَلَى الْأَقْرَبِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: ٧] وَزِيَادَةُ الْقُرْبِ تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنُصُّ عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ لِلْبَنِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَعْرُوفًا فِيمَا بَيْنَ الْعَرَبِ فَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ إلَّا الْبَنِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ لَا يُوَرِّثُ إلَّا الْكِبَارَ مِنْ الْبَنِينَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ وَيُوَرِّثُونَ الْعَشِيرَةَ فَإِنَّمَا بَيَّنَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُمْ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْبَنُونَ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِلْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ إذَا انْفَرَدَتْ النِّصْفُ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: ١١] وَاسْتِدْلَالًا أَيْضًا بِمِيرَاثِ الْأُخْتِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: ١٧٦] وَالْبِنْتُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْأُخْتِ فَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَصَاعِدًا فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: ١١] فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ لِلْبَنَاتِ عَلَى الثُّلُثَيْنِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَإِنْ كَثُرْنَ {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ} [النساء: ١٧٦] فِي قَوْلِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ لِلْبَنِينَ النِّصْفُ وَيُسْتَدَلُّ بِظَاهِرِ الْآيَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْبَنَاتِ الثُّلُثَيْنِ أَنْ يَكُنَّ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ الشَّرْطِ، وَقَدْ تُجَاذِبُ الْبَنِينَ حَالَتَانِ إمَّا أَنْ تَعْتَبِرَهُمَا بِالثَّلَاثِ، أَوْ بِالْوَاحِدَةِ وَاعْتِبَارُهُمَا بِالْوَاحِدَةِ أَوْلَى لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِمَا بِالثَّلَاثِ إبْطَالُ شَرْطٍ مَنْصُوصٍ وَالْقِيَاسُ لِإِبْطَالِ النَّصِّ بَاطِلٌ، وَفِي أَوَّلِ الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلِابْنَتَيْنِ النِّصْفَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] وَمَنْ تَرَكَ ابْنًا وَابْنَتَيْنِ فَلِلِابْنِ النِّصْفُ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ حَظَّ الْأُنْثَيَيْنِ النِّصْفُ، وَفِي قَوْله تَعَالَى فَلَهُنَّ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا لَفْظُ الْجَمْعِ وَالْجَمْعُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ فَأَهْلُ اللُّغَةِ جَعَلُوا الْكَلَامَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْفَرْدُ وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ فَكَانَ اتِّفَاقًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ التَّثْنِيَةَ غَيْرُ الْجَمْعِ وَلِلْوَاحِدِ عِنْدَهُمْ أَبْنِيَةٌ مُخْتَلِفَةٌ وَكَذَلِكَ لِلْجَمْعِ وَلَيْسَ لِلتَّثْنِيَةِ إلَّا بِنَاءً وَاحِدًا وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْقُولِ فِي الْمَعْنَى يُعَارِضُ الْفَرْدَيْنِ فَلَا يَظْهَرُ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَفِي الثَّلَاثِ تَتَعَارَضُ الْبَنَاتُ مَعَ الْفَرْدِ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْجَمْعِ عَلَى جَانِبِ الْفَرْدِ.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ لَا يَتَنَاوَلُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ فَقَدْ ظَهَرَ إلْحَاقُ الْبِنْتَيْنِ بِالْوَاحِدَةِ هَذَا بَيَانِ أَصْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذَا، وَفِي الْإِخْوَةِ فِي حُكْمِ الْحَجْبِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute