للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَوْمَيْنِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأَقَامَ فِيهِ لَيْلَةً وَيَوْمَهَا وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى وَيَوْمَهَا إلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْأَيَّامِ الْكَثِيرَةِ أَمَّا إذَا ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ فَالْجَوَابُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا أَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ يَقْتَضِي دُخُولَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ فَأَمَّا إذَا ذَكَرَ يَوْمَيْنِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ يَوْمَيْنِ بِلَيْلَةٍ تَتَخَلَّلُهُمَا فَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ: لِأَنَّ التَّثْنِيَةَ غَيْرُ الْجَمْعِ فَهَذَا وَالْمَذْكُورُ بِلَفْظِ الْفَرْدِ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ اللَّيْلَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ تَدْخُلُ بِضَرُورَةِ اتِّصَالِ بَعْضِ الْأَجْزَاءِ بِالْبَعْضِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ لَا تُوجَدُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الْجَمْعِ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» فَكَانَ هَذَا وَالْمَذْكُورُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ سَوَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَيْلَتَيْنِ صَحَّ نَذْرُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: لَيْلَةً وَاحِدَةً

(قَالَ): وَاذَا جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ امْرَأَتَهُ فِي الْفَرْجِ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ سَوَاءٌ جَامَعَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا كَانَ أَوْ عَامِدًا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] فَصَارَ الْجِمَاعُ بِهَذَا النَّصِّ مَحْظُورَ الِاعْتِكَافِ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لَهُ بِكُلِّ حَالٍ كَالْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ لَمَّا كَانَ مَحْظُورًا كَانَ مُفْسِدًا لِلْإِحْرَامِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ نَاسِيًا لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ قَالَ: الِاعْتِكَافُ فَرْعٌ عَنْ الصَّوْمِ وَالْفَرْعُ يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِي حُكْمِهِ فَإِنْ بَاشَرَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَإِنْ أَنْزَلَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ، وَقَدْ أَسَاءَ فِيمَا صَنَعَ وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ قَوْلٌ مِثْلُ قَوْلِنَا، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ أَنْزَلَ كَمَا لَا يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَإِنْ أَنْزَلَ فَإِنَّهُمَا مُتَقَارِبَانِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدُومُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لِظَاهِرِ الْآيَةِ فَإِنَّ اسْمَ الْمُبَاشَرَةِ يَتَنَاوَلُ الْجِمَاعَ فِيمَا دُونِ الْفَرْجِ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْجِمَاعَ فِي الْفَرْجِ فَصَارَ ذَلِكَ مَحْظُورَ الِاعْتِكَافِ بِالنَّصِّ وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ الْمُبَاشِرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْإِنْزَالُ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافُ فَرْعٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَيَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْإِنْزَالُ فَهُوَ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ وَلَا مُلْحَقٌ بِهِ حُكْمًا فِي إفْسَادِ الْعِبَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ فَكَذَلِكَ الِاعْتِكَافُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنْ خَرَجَ لِهَذَا الْفِعْلِ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ بِالْخُرُوجِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى مَا بَيَّنَّا

(قَالَ): فَإِذَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، وَهَذَا إذَا أَوْصَى؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ

<<  <  ج: ص:  >  >>