للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخْوَةٌ} [النساء: ١١]، وَذَلِكَ اسْمُ جَمْعٍ وَأَدْنَى الْجَمْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَالْحَجْبُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِشَرْطِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ الْمَثْنَى مِنْ الْأَخَوَاتِ كَالثَّلَاثِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: ١٧٦]. فَكَذَلِكَ الْمَثْنَى كَالثَّلَاثِ فِي الْحَجْبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبَنَاتِ أَنَّ الْمَثْنَى حُكْمُ الْجَمْعِ فِي الْحَجْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ جَمِيعًا، وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ نَوْعًا مِنْ الْمَجَازِ فَقَدْ حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ النَّصِّ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ الْإِخْوَةُ لِأُمٍّ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْإِخْوَةِ فِي حَجْبِ الْأُمِّ مِنْ الثُّلُثِ.

وَعَلَى قَوْلِ الزَّيْدِيَّةِ الْحَجْبُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ، وَلَا يَثْبُتُ بِالْإِخْوَةِ لِأُمٍّ قَالُوا لِأَنَّ هَذَا الْحَجْبَ بِمَعْنًى مَعْقُولٍ وَهُوَ عِنْدَ وُجُودِ الْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ يَكْثُرُ عِيَالُ الْأَبِ فَيُحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ مَالٍ لِلْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَالْأُمُّ لَا تَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ إذْ لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ لَيْسَتْ عَلَى الْأَبِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الْأُمِّ فَهِيَ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ مَالٍ لِأَجْلِهِمْ فَلَا تُحْجَبُ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِاعْتِبَارِهِمْ وَحُجَّتُنَا ظَاهِرُ الْآيَةِ فَإِنَّ اسْمَ الْأُخُوَّةِ حَقِيقَةً لِلْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْأَخَ مَنْ جَاوَرَ غَيْرَهُ فِي صُلْبٍ، أَوْ رَحِمٍ، وَهَذَا حُكْمٌ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَقَوْلُهُمْ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْإِخْوَةَ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ إلَى السُّدُسِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ، وَلَا نَفَقَةَ هُنَا عَلَى الْأَبِ وَيُحْجَبُونَ إذَا كَانُوا كِبَارًا وَلَيْسَ عَلَى الْأَبِ مِنْ نَفَقَتِهِمْ شَيْءٌ ثُمَّ السُّدُسُ الَّذِي يُحْجَبُ عَنْهُ الْإِخْوَةُ لِأُمٍّ يَكُونُ لِلْأَبِ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ إنَّ ذَلِكَ لِلْإِخْوَةِ بَيَانُهُ فَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ أَبَوَيْنِ وَإِخْوَةً عِنْدَنَا لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ، وَعِنْدَهُ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالسُّدُسُ لِلْإِخْوَةِ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ طَاوُسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْطَى الْإِخْوَةَ السُّدُسَ مَعَ الْأَبَوَيْنِ»، وَلِأَنَّ مَنْ لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْإِخْوَةَ لَوْ كَانُوا كُفَّارًا، أَوْ أَرِقَّاءَ لَا يَحْجُبُونَ فَلَمَّا حَجَبُوا الْأُمَّ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ عَرَفْنَا أَنَّهُمْ وَرَثَةٌ مَعَ الْأَبِ، وَلَا يَرِثُونَ شَيْئًا مِنْ نَصِيبِ الْأَبِ لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِهِ، وَلِأَنَّ الْأَبَ أَقْرَبُ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَتَّصِلُ بِالْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مِنْ الْمِيرَاثِ إلَّا مِقْدَارُ مَا نَقَصُوا مِنْ نَصِيبِ الْأُمِّ، وَذَلِكَ سُدُسٌ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: ١١] مَعْنَاهُ وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: ١١]، ثُمَّ هُنَاكَ الْمُرَادُ وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ وَحُكْمُ الْمَعْطُوفِ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ بَيَّنَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ حَالًا يَكُونُ الْوَارِثُ فِيهِ الْأَبَوَانِ فَقَطْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: ١١] فَبَيَّنَ نَصِيبَ الْأُمِّ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ نَصِيبِهَا بِوُجُودِ الْغَيْرِ فَيَبْقَى مَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>