للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَرَكَ ابْنَةً وَأَخًا لِأُمٍّ يَكُونُ النِّصْفُ لِلِابْنَةِ وَالْبَاقِي لِلْأَخِ لِأُمٍّ بِالْعُصُوبَةِ وَتَوْرِيثُ الْأَخِ لِأُمٍّ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ كَلَالَةً خِلَافُ النَّصِّ، وَلِأَنَّ الْعُصُوبَةَ أَقْوَى أَسْبَابِ الْإِرْثِ وَالْإِدْلَاءُ بِالْإِنَاثِ أَقْوَى أَسْبَابِ الْإِدْلَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِهِ أَقْوَى أَسْبَابِ الْإِرْثِ وَهُوَ الْعُصُوبَةُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَلَاءِ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَاءِ بِاعْتِبَارِ الْإِعْتَاقِ وَالْأُنْثَى وَالذَّكَرُ فِيهِ سَوَاءٌ، ثُمَّ الْوَلَاءُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ وَاَلَّذِينَ قَالُوا إنَّ قَوْمَ الْأُمِّ فِي الْعُصُوبَةِ يَنْزِلُونَ مَنْزِلَةَ قَوْمِ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِمْ هَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ أَبِيهِ لَا تُجْعَلُ عَصَبَتُهُ قَوْمَ أُمِّهِ بِالِاتِّفَاقِ وَمَا ذَكَرُوا مَوْجُودٌ هُنَا.

فَأَمَّا الْجَدَّاتُ فَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَهُوَ أَنَّهَا تُحْرِزُ مِيرَاثَهُ، وَلَكِنْ بِالْفَرْضِيَّةِ وَالرَّدِّ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّهَا تُحْرِزُ مِيرَاثَهُ بِالْعُصُوبَةِ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهَا فِي وُجُوبِ الْإِكْرَامِ وَالْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ عَلَى مَا قِيلَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَجْعَلَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْإِكْرَامِ وَالْبِرِّ لِأُمِّهِ وَالرُّبُعَ لِأَبِيهِ، وَفِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ يَجْعَلُ الْبِرَّ وَالْإِكْرَامَ كُلَّهُ لِأُمِّهِ وَحَدِيثُ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ قُلْنَا الْمُرَادُ أَنَّ عَصَبَتَهُ قَوْمُ أَبِيهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ بِمَعْنَى الْعُصُوبَةِ وَهُوَ الرَّحِمُ لَا فِي إثْبَاتِ حَقِيقَةِ الْعُصُوبَةِ لَهُمْ فَكَيْف ثَبَتَ لَهُمْ حَقِيقَةُ الْعُصُوبَةِ، وَإِنَّمَا يُدْلُونَ بِمَنْ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ، ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي الْوَلَدِ مِنْ الزِّنَا إذَا كَانَا تَوْأَمًا أَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ فِي الْمِيرَاثِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَا غَيْرَ تَوْأَمٍ.

وَاخْتَلَفُوا فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ إذَا كَانَا تَوْأَمًا قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كَالْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَقَالَ مَالِكٌ كَالْأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِأَنَّ نَسَبَهُمَا كَانَ ثَابِتًا بِاعْتِبَارِ الْفِرَاشِ، وَإِنَّمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ انْقَطَعَ نَسَبُهُمَا بِاللِّعَانِ لِحَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ نَسَبًا لَيْسَ مِنْهُ وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ فِي قَطْعِ النِّسْبَةِ عَنْهُ فَأَمَّا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ إنَّمَا خُلِقَا مِنْ مَاءِ فَحْلٍ وَاحِدٍ فَكَانَا أَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْطَعُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فِيمَا كَانَ مُحْتَمَلًا لِلْقَطْعِ وَهُوَ النِّسْبَةُ إلَى الْأَبِ. فَأَمَّا مَا لَا يَكُونُ مُحْتَمَلًا لِذَلِكَ وَهُوَ كَوْنُهُمَا مَخْلُوقَيْنِ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَالْحُكْمُ فِيهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ وَلَدِ الزِّنَا لِأَنَّ النَّسَبَ هُنَاكَ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لِانْعِدَامِ الْفِرَاشِ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ مِنْ الزَّانِي، وَإِنْ ادَّعَاهُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَلِأَنَّهُمَا يَتَصَادَقَانِ عَلَى أَنَّ نَسَبَهُمَا ثَابِتٌ مِنْ الْأَبِ وَانْتَفَى بِاللِّعَانِ، وَأَنَّهُ فِي اللِّعَانِ وَنَفْيِ النَّسَبِ ظُلْمٌ لَهُمَا لِأُمِّهِمَا فَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا فَكَانَا فِي الْمِيرَاثِ بِمَنْزِلَةِ الْأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ، وَلَا أَبَ لَهُمَا فَكَيْف تَثْبُتُ بَيْنَهُمَا الْإِخْوَةُ لِأَبٍ وَهُوَ نَظِيرُ وَلَدِ الزِّنَا فَإِنَّ هُنَاكَ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>