للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُولَى أَشْهَرُ فَقَدْ ذُكِرَتْ فِي الْفَرَائِضِ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ ذَلِكَ.

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اتَّفَقُوا فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ عَلَى أَنَّ لِلْعَمَّةِ الثُّلُثَيْنِ وَلِلْخَالَةِ الثُّلُثَ وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ الْأَبْدَانَ لَكَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَفِي اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِسْمَةِ الْمُدْلَى بِهِ، وَهُوَ الْأَبُ وَالْأُمُّ، وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا وَلَدَ عَصَبَةٍ أَوْ صَاحِبَ فَرْضٍ كَانَ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا يُرَجَّحُ بِمَعْنَى فِي الْمُدْلَى بِهِ فَإِذَا كَانَ فِي الْحِرْمَانِ يُعْتَبَرُ الْمُدْلَى بِهِ فَفِي النُّقْصَانِ أَوْلَى فَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَّلُ مَنْ يَقَعُ بِهِ الْخِلَافُ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ اسْتَوَيَا فِي الْأَبِ، وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى الْمَيِّتِ، وَفِي الْأَبْدَانِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، ثُمَّ اعْتَبَرْنَا مَنْ وَقَعَ بِهِ الْخِلَافُ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَدَدِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ أَبْدَانُهُمْ دُونَ الْمُدْلَى بِهِ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ، وَهَذَا لِأَنَّ عِلَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ كَامِلَةٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَالْعِلَّةُ تَحْتَمِلُ الْعَدَدَ فَيُجْعَلُ الْأَصْلُ كَالْمُتَعَدِّدِ حُكْمًا بِتَعَدُّدِ الْفَرْعِ وَكَمَالِ الْعِلَّةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ جَمَاعَةٍ قَتَلُوا رَجُلًا عَمْدًا يُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلًا عَلَى الْكَمَالِ وَالْمَقْتُولُ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا يُجْعَلُ مُتَعَدِّدًا حُكْمًا لِتَكَامُلِ الْعِلَّةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِخِلَافِ صِفَةِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فَالْمَوْجُودُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَالْمَوْجُودِ فِي الْأَصْلِ مَعَ تَحَقُّقِ ضِدِّهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ لِذَلِكَ فَيُعْتَبَرُ مَا فِي الْأُصُولِ مِنْ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْفُرُوعِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ قَدْ اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْمَرْءِ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا يَكُونُ بِمَعْنًى فِيهِ لَا بِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَالِاسْتِحْقَاقُ عِنْدَنَا بِاعْتِبَارِ الْقَرَابَةِ وَذَلِكَ مَعْنَى فِي أَبْدَانِهِمْ، وَقَدْ اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ أَيْضًا وَهِيَ الْوَلَاءُ فَثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ فِي الْمُدْلَى بِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي بَعْضِهِمْ صِفَةُ الرِّقِّ أَوْ الْكُفْرِ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ وَاعْتَبَرَ حَالَةَ الْأَبْدَانِ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ فَكَذَلِكَ فِي صِفَةِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْعَدَدُ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي مَعْنَى اعْتِبَارِ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ بِمَعْنَى اثْنَيْنِ فَكُلُّ أُنْثَى بِمَعْنَى وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَ فِي الْعَدَدِ يُعْتَبَرُ الْأَبْدَانُ فَكَذَلِكَ فِي صِفَةِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فَالْجِهَةُ هُنَاكَ قَدْ اخْتَلَفَتْ؛ لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ غَيْرُ الْأُمُومَةِ وَالِاسْتِحْقَاقُ بِالسَّبَبِ فَبِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ يَخْتَلِفُ السَّبَبُ مَعْنَى فَأَمَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ يَكُونُ السَّبَبُ وَاحِدًا فَيَعْتَبِرُ فِي الصِّفَةِ الْأَبْدَانَ خَاصَّةً.

وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ وَلَدَ صَاحِبِ فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ فَالْفَرْضِيَّةُ وَالْعُصُوبَةُ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>