للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ، وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْكِتَابِ فَقَالَ: لِأَنَّ صَوْمَ الظِّهَارِ مِثْلُ صَوْمِ الْمَنْذُورِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَبَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ فَعَنْ أَيِّهِمَا نَوَاهُ كَانَ عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا صَوْمُ رَمَضَانَ أَقْوَى مِنْ صَوْمِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً، وَصَوْمُ الظِّهَارِ إنَّمَا وَجَبَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ، وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ فَلِهَذَا كَانَ صَوْمُهُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَإِنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ صَوْمِ الظِّهَارِ وَصَوْمِ الْمَنْذُورِ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ هُوَ الْمَشْرُوعُ فِي رَجَبَ نَفْسِهِ، وَصَوْمُ الظِّهَارِ وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَرَجَّحَ الْمَنْذُورُ بِاعْتِبَارِ السَّبْقِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الظِّهَارِ إنَّمَا يَتَحَوَّلُ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى الْمَشْرُوعِ فِي الْوَقْتِ بِنِيَّتِهِ، وَقَدْ كَانَ النَّذْرُ سَابِقًا عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي الْوَقْتِ لَمَّا صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ بِنَذْرِهِ لَا يَبْقَى صَالِحًا لِصَوْمِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ إنَّمَا يَتَأَدَّى بِمَا كَانَ مَشْرُوعًا فِي الْوَقْتِ لَهُ لَا عَلَيْهِ فَالْفَرْقُ الصَّحِيحُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَبْلَ نَذْرِهِ كَانَ الصَّوْمُ الْمَشْرُوعُ فِي رَجَبَ صَالِحًا لِأَدَاءِ صَوْمِ الظِّهَارِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِنَذْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ بِنَذْرِهِ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يَنْفِي صَلَاحِيَّتَهُ لِغَيْرِهِ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ تَحْتَ وِلَايَةِ الْعَبْدِ فَإِذَا بَقِيَ بَعْدَ نَذْرِهِ صَالِحًا لِأَدَاءِ صَوْمِ الظِّهَارِ بِهِ تَأَدَّى بِنِيَّتِهِ، وَأَمَّا صَوْمُ رَمَضَانَ فَقَدْ جَعَلَهُ الشَّرْعُ فَرْضًا عَلَيْهِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ لَا يَنْفِيَ صَالِحًا لِأَدَاءِ صَوْمِ الظِّهَارِ بِهِ، وَلِلشَّرْعِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِأَدَاءِ صَوْمِ الظِّهَارِ بِهِ تَلْغُو نِيَّتُهُ عَنْ الظِّهَارِ بِهِ وَانْتِفَاءُ الصَّلَاحِيَّةِ مِنْ ضَرُورَةِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ حَتَّى إنَّ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْأَدَاءُ فِي الشَّهْرِ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَإِذَا نَوَاهُ عَنْ الظِّهَارِ كَانَ عَنْ الظِّهَارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَمَسْأَلَةُ النَّذْرِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسَافِرِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ ثُمَّ فِي مَسْأَلَةِ النَّذْرِ إذَا كَانَ نَوَى الْيَمِينَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ بِرِّهِ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا فِي رَجَبَ لَا أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ عَنْ الْمَنْذُورِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَإِنْ صَامَهُ عَنْ الظِّهَارِ.

(قَالَ): وَالْمَجْنُونَةُ وَالنَّائِمَةُ إذَا جَامَعَهُمَا زَوْجُهُمَا وَهُمَا صَائِمَتَانِ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ يَسْتَدْعِي جِنَايَةً مُتَكَامِلَةً فَإِنَّهَا سَتَّارَةٌ لِلذَّنْبِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمَا وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ لِانْعِدَامِ أَدَاءِ الصَّوْمِ فِي الْوَقْتِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمَا فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَأَدَّى مَعَ فَوَاتِ رُكْنِهِ وَقَدْ انْعَدَمَ رُكْنُ الصَّوْمِ فِي حَقِّهِمَا مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ وَقَدْ بَيَّنَّا خِلَافَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ.

(قَالَ): هُنَا أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ قَتَلَا رَجُلًا خَطَأً لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَلَا تُحْرَمَانِ الْمِيرَاثَ (قَالَ): - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

<<  <  ج: ص:  >  >>