للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَالَ: ابْنُ سِمَاعَةَ فَقُلْت لِمُحَمَّدٍ كَيْف يُفْطِرُونَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ قَالَ: لَا يُفْطِرُونَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ بَلْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِدُخُولِ رَمَضَانَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُكْمُ بِانْسِلَاخِ رَمَضَانَ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِطْرَ هُنَا مِمَّا تُفْضِي إلَيْهِ الشَّهَادَةُ لَا أَنَّهُ يَكُونُ ثَابِتًا بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ نَظِيرُ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى النَّسَبِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مَقْبُولَةً ثُمَّ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ، وَالْمِيرَاثُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ابْتِدَاءً وَيَسْتَوِي إنْ شَهِدَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مَحْدُودًا فِي الْقَذْفِ أَوْ غَيْرَ مَحْدُودٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَقْبَلُونَ رِوَايَةَ أَبِي بَكْرَةَ بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَإِنْ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِكَذِبِهِ شَرْعًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ} [النور: ١٣] فَإِذَا كَانَ الْمُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ، وَهُوَ الْفَاسِقُ غَيْرَ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ هُنَا فَالْمَحْكُومُ بِكَذِبِهِ كَانَ أَوْلَى.

فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ وَالْمُثَنَّى حَتَّى يَكُونَ أَمْرًا مَشْهُورًا ظَاهِرًا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، وَهَكَذَا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمُهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْأَصَحُّ مَا ذُكِرَ هُنَا فَإِنَّ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ إنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ظَاهِرٌ يُكَذِّبُهُمَا، وَهُنَا الظَّاهِرُ يُكَذِّبُهُمَا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، وَفِي هِلَالِ شَوَّالٍ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُمَا أُسْوَةُ سَائِرِ النَّاسِ فِي الْمَوْقِفِ وَالْمَنْظَرِ وَحِدَّةِ الْبَصَرِ وَمَوْضِعِ الْقَمَرِ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مَشْهُورًا ظَاهِرًا وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْأَقَاوِيلِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ.

(قَالَ): وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ فَتَذَكَّرَ ذَلِكَ، وَهُوَ مُخَالِطُهَا فَقَامَ عَنْهَا أَوْ جَامَعَهَا لَيْلًا فَانْفَجَرَ الصُّبْحُ، وَهُوَ مُخَالِطُهَا فَقَامَ عَنْهَا مِنْ سَاعَتِهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْ الْمُجَامَعَةِ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَانْفِجَارِ الصُّبْحِ إلَى أَنْ نَزَعَ نَفْسَهُ مِنْهَا، وَذَلِكَ يَكْفِي لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ، وَمِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذِهِ الثَّوْبَ، وَهُوَ لَابِسُهُ فَنَزَعَهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَهُوَ حَانِثٌ فِي الْقِيَاسِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْ اللُّبْسِ بَعْدَ الْيَمِينِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>