للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِثْلُهُ.

وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُوَكِّلُ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ رَأْيَ غَيْرِهِ مَقَامَ رَأْيِ نَفْسِهِ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الرَّأْيِ وَمَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ لَا يَحْصُلُ بِرَأْيِ غَيْرِهِ ثُمَّ الْعُذْرُ هُنَا لَا يَتَحَقَّقُ بِسَفَرِهِ وَمَرَضِهِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَادِرٌ عَلَى النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ بِمُبَاشَرَتِهِ بِخِلَافِ شَاهِدِ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْعُذْرَ هُنَاكَ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إحْيَاءِ حَقِّهِ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ بِالْحُضُورِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْعُذْرِ فَلِهَذَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ شُهُودِ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِهِ.

فَأَمَّا إذَا قَالَ مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَقَدْ رَضِيَ هُنَاكَ بِرَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ رَأْيِهِ وَلَيْسَ الْوَكِيلُ فِي هَذَا كَالْوَصِيِّ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَثَبَتَ لَهُ مِنْ الْوِلَايَةِ مَا كَانَ ثَابِتًا لِلْمُوصِي فَيَمْلِكُ بِوِلَايَتِهِ التَّوْكِيلَ وَالْإِيصَالَ إلَى الْغَيْرِ كَمَا كَانَ يَمْلِكُ الْمُوصِي وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ حَالَةُ الْعُذْرِ وَغَيْرُ حَالَةِ الْعُذْرِ.

وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُجَوِّزُ إقْرَارَ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تُقْبَلُ الْوَكَالَةُ فِي الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ لَا فِي الْإِثْبَاتِ وَعِنْدَنَا لَا تُقْبَلُ الْوَكَالَةُ فِي الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ عَلَى مَعْنًى لَا يُسْتَوْفَى فِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ هُوَ لِكَوْنِ الْقِصَاصِ مَحْضَ حَقِّ الْعَبْدِ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ بِاسْتِيفَاءِ سَائِرِ حُقُوقِهِ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَالْحَدُّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يُقِيمُهُمَا الْإِمَامُ عِنْدَ ظُهُورِ السَّبَبِ عِنْدَهُ وَقَدْ ظَهَرَ بِخُصُومَةِ الْوَكِيلِ وَلَكِنَّا نَقُولُ لَوْ اسْتَوْفَى فِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ كَانَ اسْتِيفَاءً مَعَ تَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّهُ يَتَوَهَّمُ الْعَفْوَ عَنْ الْمُوَكِّلِ فِي الْقِصَاصِ وَالتَّصْدِيقِ مِنْ الْمَقْذُوفِ بِالْحَدِّ وَمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ مَعَ تَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ الَّتِي ثَبَتَتْ مَعَ الشُّبُهَاتِ وَلَئِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَذَا التَّوْكِيلِ الثَّبَاتَ فَقَدْ بَيَّنَّا الِاخْتِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ.

وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ وَلِلْمَطْلُوبِ عَلَى الطَّالِبِ مِثْلُهُ فَهُوَ قِصَاصٌ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَكُونُ قِصَاصًا حَتَّى يَتَرَاضَيَا بِهِ اعْتِبَارًا لِلدَّيْنِ الَّذِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ بِالْعَيْنِ الَّتِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ فِي يَدِهِ مِثْلُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا قِصَاصًا بِالْآخَرِ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُطَالِبَ صَاحِبَهُ بِمِلْكِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ بَلْ أَوْلَى فَإِنَّ مُبَادَلَةَ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ صَحِيحٌ وَمُبَادَلَةَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ بَاطِلٌ؛ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ بِطَرِيقِ الْمُبَادَلَةِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَيْنُ حَقِّهِ لِأَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ حَقُّ غَيْرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>