للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِسْلَامِ وَأَنَّ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مَقْبُولَةٌ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ} [المائدة: ١٠٦] وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ وَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ مِلَّةٍ عَلَى أَهْلِ مِلَّةٍ أُخْرَى إلَّا الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمْ مَقْبُولَةٌ عَلَى أَهْلِ الْمِلَلِ» كُلِّهَا وَالْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْنَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ انْقِطَاعُ وِلَايَتِهِمْ عَنَّا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ فِي غَيْرِ حَالَةِ السَّفَرِ مَوْجُودٌ فِي حَالَةِ السَّفَرِ.

وَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي شَهِدَا فِيهَا عَلَى عَمَلٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ غَصْبٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا وَلَا يُعَزَّرَانِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَنَا وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رُبَّمَا ضَرَبَهُمَا وَعَاقَبَهُمَا لِتَمَكُّنِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ وَالْمُجَازَفَةِ فِي الشَّهَادَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ لَا نَدْرِي أَيَّهُمَا الْكَاذِبُ مِنْهُمَا فَضَرْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبَثٌ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ حَتَّى يَجُوزَ الْإِقْدَامُ عَلَى ضَرْبِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يُؤَدَّبَانِ عَلَى ذَلِكَ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ وَالْمُجَازَفَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ لَعَلَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الْغَالِطُ وَالْكَاذِبُ وَالشُّهُودُ صَادِقُونَ فِي شَهَادَتِهِمْ وَبِدُونِ تَقَرُّرِ السَّبَبِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْعُقُوبَةُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْمَلُ بِشَهَادَتِهِمْ لِتَكْذِيبِ الْمُدَّعِي إيَّاهُمْ.

وَإِذَا لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ فِي الشَّاهِدِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْقَاضِي وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يُسْأَلُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ لِصِيَانَةِ قَضَائِهِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ شَرْعًا مِنْ الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْعَدَالَةُ ثَابِتَةٌ بِظَاهِرِ الْإِسْلَامِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ» فَيَعْتَمِدُ الْقَاضِي هَذَا الظَّاهِرَ مَا لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ فَإِذَا طَعَنَ اشْتَغَلَ بِالسُّؤَالِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الطَّاعِنِ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ أَيْضًا فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِفُصُولِهَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي.

وَشَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً عِنْدَنَا وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُجِيزُهَا فِي الْجِرَاحَاتِ وَتَمْزِيقِ الثِّيَابِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَلَاعِبِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا فَإِنْ كَانُوا تَفَرَّقُوا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ الْعُدُولَ قَلَّ مَا يَحْضُرُونَ مَلَاعِبَ الصِّبْيَانِ فَكَانَتْ الضَّرُورَةُ دَاعِيَةً إلَى قَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَلَكِنَّ هَذَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا.

فَأَمَّا إذَا تَفَرَّقُوا وَعَادُوا إلَى بُيُوتِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُلَقَّنُونَ الْكَذِبَ هَذَا هُوَ الْعَادَةُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِذَلِكَ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ لَا تَكُونُ لَهُمْ شَهَادَةٌ عَلَى الْبَالِغِينَ انْقِطَاعُ الْوِلَايَةِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى أَحَدٍ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>