للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمِيرَاثِ لَيْسَ بِحَادِثٍ فَإِنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ فَيَبْقَى لِلْوَارِثِ الْمِلْكُ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُوَرَّثِ وَسَبَبُ هَذِهِ الْخِلَافَةِ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ وَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تُوجِبُ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَوْهُوبِ وَالْمَوْرُوثِ لَبَطَلَتْ فِي نَفْسِهَا لِأَنَّهَا تَصِيرُ فِي مَعْنَى الْقِمَارِ وَالْمُخَاطَرَةِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ شَرْعًا.

وَإِذَا كَانَ الْمَوْرُوثُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ النُّقُودِ الَّتِي تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ لِوُجُودِ التَّفَاوُتِ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَالطَّارِئُ بَعْدَ الْعِتْقِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ كَالْمُقْتَرِنِ بِالسَّبَبِ.

وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدًا وَلِلْعَبْدِ مَالٌ فَمَالُهُ لِمَوْلَاهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُكَاتَبُ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْمَالُ لِلْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَعْقِدُ الْكِتَابَةَ بِقَصْدِ تَمْكِينِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ لِيُؤَدِّيَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْ الْكَسْبِ الْحَاصِلِ بِتَصَرُّفِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ إلَّا بِرَأْسِ الْمَالِ فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى يُجْعَلُ كَأَنَّهُ شَرَطَ لَهُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَالْمَقْصُودُ هُنَاكَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مَالُهُ فِي الْعَقْدِ وَهُوَ نَظِيرُ الشُّرْبِ وَالطَّرِيقُ يَدْخُلُ فِي الْإِجَازَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالذِّكْرِ وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] أَنَّ الْمُرَادَ هَذَا وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ لَهُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ.

لَكِنَّا نَقُولُ: مَا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ مِلْكُ الْمَوْلَى فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَالٍ آخَرَ لِلْمَوْلَى فِي يَدِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُكَاتَبُ بِمُطْلَقِ الْكِتَابَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْعَقْدِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا يُضَافُ إلَيْهِ الْعَقْدُ وَإِنَّمَا أُضِيفَ الْعَقْدُ هُنَا إلَى رَقَبَتِهِ دُونَ مَالِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَالَ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ يُمَكِّنُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَكِنْ يُمَكِّنُهُ مِنْ ذَلِكَ لِمَنَافِعِهِ لَا لِمَالِهِ وَبِعَقْدِ الْكِتَابَةِ يَصِيرُ هُوَ أَحَقَّ بِمَنَافِعِ نَفْسِهِ عِنْدَنَا ثُمَّ يَجُوزُ فَسْخُ الْكِتَابَةِ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي عِنْدَنَا كَمَا يَجُوزُ عَقْدُ الْكِتَابَةِ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَا يَكُونُ رَدُّ الْمُكَاتَبِ فِي الرِّقِّ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي لِأَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى الْعَجْزِ عِنْدَهُ أَدَاءُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ حَتَّى يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ نَجْمَانِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ وَنِكَاحُهُ بَاطِلَانِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ وَالرِّقَّ يُبْقِي الْوِلَايَةَ، وَعِنْدَنَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَ نَفْسَهُ وَلَا عَبْدَهُ وَلَكِنْ يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ اكْتِسَابِ الْمَالِ وَبُطْلَانِ كَفَالَتِهِ عِنْدَهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ أَنَّهُ يَنْزِعُ وَلَكِنْ بِطَرِيقِ انْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ عِنْدَهُ وَلِهَذَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصْلِ، وَقِيَامُ الرِّقِّ فِيهِ يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِالْتِزَامِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ عِنْدَهُ فَلِهَذَا قَالَ لَا تَنْفُذُ

<<  <  ج: ص:  >  >>