للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَجَرٍ أَوْ ضَرَبَهُ ضَرَبَاتٍ حَتَّى مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: لَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَإِذَا وَقَعَ مَوْقِعَ السِّلَاحِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الدِّيَاتِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يُذْكَرَانِ عِنْدَهُمَا إنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ بِالْحَجَرِ الْكَبِيرِ وَالْعَصَا الْكَبِيرِ.

فَأَمَّا الْقَتْلُ بِالْعَصَا الصَّغِيرِ بِالضَّرْبِ بِالْمُوَالَاةِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَهُنَا نَصٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ إنَّمَا اعْتَمَدَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِيمَا أَوْرَدَهُ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُمَا الْقَصْدُ إلَى الْقَتْلِ بِمَا لَا تُطِيقُ النَّفْسُ احْتِمَالَهُ وَالْعَصَا الصَّغِيرُ مَعَ الْمُوَالَاةِ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَا الْكَبِيرِ.

إذَا عَضَّ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فَمِ الْعَاضِّ فَقَلَعَ شَيْئًا مِنْ أَسْنَانِهِ فَعِنْدَنَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي السِّنِّ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى هُوَ ضَامِنٌ الْعَضَّةَ لِأَنَّهُ صَارَ قَالِعًا سِنَّهُ بِنَزْعِ الْيَدِ مِنْ فَمِهِ إلَّا أَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ كَالْخَاطِئِ وَالْمُضْطَرِّ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ جَسَدِهِ لِيَدْفَعَ بِهِ أَذَاهُ عَنْ نَفْسِهِ كَانَ ضَامِنًا فَكَذَلِكَ إذَا نَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ هُوَ فِيمَا صَنَعَ دَافِعٌ لِلْأَذَى غَيْرُ مُبَاشِرٍ لِلْجِنَايَةِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَصَدَ قَتْلَهُ فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَسَقَطَ فَمَاتَ يُوَضِّحُهُ أَنَّ صَاحِبَ السِّنِّ هُوَ الْجَانِي بِعَضِّهِ يَدَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُ سِنَّهُ بِنَزْعِ الْيَدِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا جَنَى عَلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ جَسَدِهِ لِأَنَّ الْمَعْضُوضَ يَدُهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِتِلْكَ الْجِنَايَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ بِنَزْعِ الْيَدِ مِنْ فَمِهِ فَإِذَا اشْتَغَلَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى جَسَدِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ كَانَ ضَامِنًا لِذَلِكَ وَهُنَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ الْأَذَى إلَّا بِنَزْعِ الْيَدِ مِنْ فَمِهِ.

وَإِذَا قَالَ الْخَصْمُ لِلْقَاضِي لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ يَدْعُو الْمُدَّعِي بِشُهُودِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا أَدَعُهُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ لِأَنَّ الْجَوَابَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ إيفَاءِ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى إيفَائِهِ بِالْحَبْسِ ثُمَّ شَرْطُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ إنْكَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُجْبِرَهُ الْقَاضِي حَتَّى يُجِيبَ بِالْإِقْرَارِ فَيَتَوَصَّلَ بِهِ الْمُدَّعِي إلَى حَقِّهِ أَوْ بِالْإِنْكَارِ فَيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِ حَقِّهِ بِالْبَيِّنَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْإِنْكَارُ حَقُّ الْمُنْكِرِ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهِ الْمُدَّعِي عَنْ نَفْسِهِ وَيُثْبِتُ بِهِ حَقَّ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ ثُمَّ السُّكُوتُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِنْكَارِ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ مَانِعٌ وَالسَّاكِتَ كَذَلِكَ وَالْإِنْكَارُ مُنَازَعَةٌ بِالْقَوْلِ وَفِي السُّكُوتِ مُنَازَعَةٌ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ عَنْ التَّسْلِيمِ وَمِنْ الْجَوَابِ بَعْدَ مَا طُولِبَ بِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ قَائِمًا مَقَامَ إنْكَارِهِ وَيَتَمَكَّنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>