للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَصْلِ الْمَالِ.

وَلَكِنَّا نَقُولُ هُوَ ادَّعَى الْمَخْرَجَ مِنْ دَعْوَاهُ لَا مِنْ الْمَالِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا بِالْمَالِ صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً وَهَكَذَا يَقُولُ فِي الْإِبْرَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَبْرَأَنِي مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى لَا يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا بِالْمَالِ ثُمَّ الْمَخْرَجُ مِنْ الدَّعْوَى بِبَيَانِ وَجْهِ الْفَسَادِ فِيهِ وَوَجْهُ الْفَسَادِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِبَيَانِ أَنَّهُ مَا كَانَ وَاجِبًا قَطُّ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِبَيَانِ الْمُسْقِطِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يَجِبُ الْمَالُ.

وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ وَلَمْ يُثْبِتْهُ فِي دِيوَانِهِ ثُمَّ خُوصِمَ إلَيْهِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَعِنْدَنَا الْقَاضِي يَقْضِي بِهِ إذَا كَانَ يَذْكُرُهُ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَا يَقْضِي بِذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا حَتَّى يُثْبِتَهُ فِي دِيوَانِهِ وَالْقِيَاسُ مَا قُلْنَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَ سَمِعَ إقْرَارَهُ بِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ لَوْ طَلَبَ الْخَصْمُ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَا مَضَى عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ إذَا كَانَ الْقَاضِي يَذْكُرُ ذَلِكَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِثْبَاتِ فِي دِيوَانِهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ فِيهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَإِذَا كَانَ ذَاكِرًا فَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ حَاصِلٌ وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ الْقَاضِي لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ رُبَّمَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلِهَذَا يُثْبِتُهُ فِي دِيوَانِهِ لِيَرْجِعَ إلَيْهِ فَيَنْبَغِي لَهُ الشُّهُودُ فَإِذَا لَمْ يُثْبِتْهُ فِي دِيوَانِهِ لَوْ قَضَى بِهِ كَانَ قَضَاءً مَعَ تَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ وَرُبَّمَا يُنْسَبُ بِهِ إلَى الْمِيلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْتَاطَ فِي ذَلِكَ وَلَا يَقْضِيَ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ ذَاكِرًا حَتَّى يُثْبِتَهُ فِي دِيوَانِهِ.

وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَسْتَ مِنْ بَنِي فُلَانٍ وَأُمُّهُ أَمَةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ وَأَبُوهُ مُسْلِمٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ قَوْلَهُ لِغَيْرِهِ لَسْتَ مِنْ بَنِي فُلَانٍ يَكُونُ قَذْفًا لِأُمِّهِ عِنْدَنَا فَإِذَا كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً فَهِيَ غَيْرُ مُحْصَنَةٍ وَقَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنَةِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى هَذَا قَذْفٌ لَهُ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِكَوْنِهِ وَلَدَ الزِّنَا كَمَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِنِسْبَتِهِ إلَى الزِّنَا فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ نَسَبَهُ إلَى الزِّنَا يَكُونُ قَاذِفًا لَهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَنْفَاهُ مِنْ أَبِيهِ يَكُونُ قَاذِفًا لَهُ وَهُوَ مُحْصَنٌ فِي نَفْسِهِ فَعَلَى قَاذِفِهِ الْحَدُّ.

وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ وَقَدْ مَاتَ أَبَوَاهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ عِنْدَنَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ يَتَدَاخَلُ وَالْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِإِقَامَةِ حَدٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ مَعْنَى الزَّجْرِ لِلْقَاذِفِ وَدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَضْرِبُ حَدَّيْنِ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْمُغَلَّبُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ حَقُّ الْعَبْدِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْحُدُودِ وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ فِي الْمَسْجِدِ وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا: إنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ فِيهَا فِي سَبْعِ مَوَاضِعَ فَإِنَّ مَعْتُوهَةً كَانَتْ بِالْكُوفَةِ آذَاهَا رَجُلٌ فَقَالَتْ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ فَأَتَى بِهَا إلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَاعْتَرَفَتْ فَأَقَامَ عَلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>