مِنْ الْعَدَّاءِ عَبْدًا كَتَبَ مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ الْحَنَفِيِّ» وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحْسَنَ مَا وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ثُمَّ فِي هَذَا إيجَازٌ وَحَذْفٌ لِمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَكُلُّ أَحَدٍ يَعْرِفُ أَنَّ الْمُرَادَ هَذَا كِتَابٌ فِيهِ ذِكْرُ مَا اشْتَرَى، وَقَوْلُهُ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ الِاكْتِفَاءُ بِهَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ عِنْدَهُ التَّعْرِيفَ يَتِمُّ بِذِكْرِ اسْمِ الرَّجُلِ وَاسْمِ أَبِيهِ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَتِمُّ التَّعْرِيفُ إلَّا بِذِكْرِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَاسْمِ جَدِّهِ أَوْ اسْمِ أَبِيهِ وَذِكْرِ قَبِيلَتِهِ، وَاحْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ بِمَا رُوِيَ «فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا مَا صَالَحَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَهْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ» فَقَدْ اكْتَفَى بِذِكْرِ اسْمِ الْأَبِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ التَّعْرِيفَ يَتِمُّ بِمَا يَمْتَازُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَبِمُجَرَّدِ اسْمِهِ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فَالْمُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ كَثِيرٌ فِي النَّاسِ، فَإِذَا ضَمَّ إلَى اسْمِهِ اسْمَ أَبِيهِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ لَا يَتَّفِقُ اسْمُ رَجُلَيْنِ وَاسْمُ أَبِيهِمَا إلَّا نَادِرًا فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ النَّادِرُ لِبَقَاءِ ذَلِكَ مَعَ ذِكْرِ اسْمِ الْجَدِّ فَإِنَّهُ كَمَا يُتَوَهَّمُ اتِّفَاقُ اسْمَيْنِ يُتَوَهَّمُ اتِّفَاقُ أَسَامٍ ثَلَاثَةٍ، وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْعَادَةِ، فَكَذَلِكَ هَذَا، وَهُمَا يَسْتَدِلَّانِ بِمَا رَوَيْنَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ: هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ» فَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ مَنْ كَانَ مَشْهُورًا يُكْتَفَى فِي تَعْرِيفِهِ بِذِكْرِ اسْمِهِ وَنَعْتِهِ، كَمَا ذَكَرَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فَإِتْمَامُ تَعْرِيفِهِ بِذِكْرِ اسْمِ أَبِيهِ وَاسْمِ جَدِّهِ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي حَقِّ الْعَدَّاءِ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا حَدِيثَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَّا وَاحِدًا، فَكَانَ لَا يَقَعُ الِالْتِبَاسُ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَمَامِ التَّعْرِيفِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ فِي نَظَرِهِ قَدْ اكْتَفَى بِذِكْرِ الِاسْمِ أَيْضًا، وَهُوَ «فِيمَا كَتَبَهُ لِأُكَيْدِرَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ: هَذَا مَا كَتَبَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُكَيْدِرَ حِينَ أَجَابَ إلَى الْإِسْلَامِ، وَخَلَعَ الْأَنْدَادَ وَالْأَصْنَامَ ثُمَّ أَتَمَّ الْكِتَابَ»؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ فِي ذَلِكَ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ اسْمِهِ، وَفِي الْمُعَامَلَةِ لَمَّا كَانَ يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ ذَكَرَ اسْمَ مَنْ عَامَلَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَاسْمَ جَدِّهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ تَمَامَ التَّعْرِيفِ بِمَا قُلْنَا أَنَّ مَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ يَكُونُ كُفُؤًا لِمَنْ لَهُ عَشَرَةُ آبَاءٍ فِي الْإِسْلَامِ وَقِيلَ: الْمُعْتَبَرُ مَا يَتِمُّ بِهِ التَّعْرِيفُ فِي الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ، وَلَا يَحْصُلُ بِالْأَبِ وَحْدَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ قَدْ يَتَّفِقُ اسْمُ رَجُلَيْنِ وَاسْمُ أَبِيهِمَا فِي الْعَادَةِ فَلَا يَمْتَازُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ إلَّا بِذِكْرِ اسْمِ الْجَدِّ أَوْ بِذِكْرِ الْقَبِيلَةِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ بِمَا يَمْتَازُ بِهِ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute