للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ فِي آخَرِ عُمْرِهِ أَنْ يَكْتُبَ: أَحَدُ حُدُودِهَا يَلِي كَذَا، وَلَكِنْ مَا ذَكَرْنَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَلِي الشَّيْءَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَّصِلُ بِهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَرْحَامِ وَالنُّهَى»، وَالْمُرَادُ بِهِ: الْقُرْبُ دُونَ الِاتِّصَالِ فَإِذَا قُلْنَا: يَنْتَهِي إلَى كَذَا أَوْ يُلَاصِقُ كَذَا يُفْهَمُ الِاتِّصَالُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ لَا مَحَالَةَ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْحُدُودَ الْأَرْبَعَةَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الِاخْتِلَافِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إنَّ التَّعْرِيفَ يَحْصُلُ بِذِكْرِ حَدٍّ وَاحِدٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَحْصُلُ بِذِكْرِ حَدَّيْنِ وَعِنْدَنَا يَحْصُلُ بِذِكْرِ ثَلَاثِ حُدُودٍ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْحُدُودِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الشَّهَادَاتِ وَالْكِتَابُ يُكْتَبُ عَلَى أَحْوَطِ الْوُجُوهِ وَيُتَحَرَّزُ فِيهِ عَنْ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ فَلِهَذَا يُكْتَبُ فِيهِ الْحُدُودُ الْأَرْبَعَةُ ثُمَّ قَالَ: اشْتَرَى مِنْهُ هَذِهِ الدَّارَ الْمَحْدُودَ فِي كِتَابِنَا هَذَا، وَمِنْ أَهْلِ الشُّرُوطِ مَنْ يَقُولُ: الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ فِي هَذَا الْكِتَابِ هُوَ اخْتِيَارُ هِلَالٍ وَأَبِي يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ فِي كِتَابِنَا: فَظَاهِرُهُ يُوهِمُ أَنَّ الْكِتَابَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَرُبَّمَا يَحُولُ الْبَائِعُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ الْكِتَابِ احْتِجَاجًا بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: هَذَا مِمَّا لَا يَسْبِقُ إلَى الْأَوْهَامِ، وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} [الجاثية: ٢٩] ثُمَّ قَالَ بِحُدُودِهَا كُلِّهَا.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَكْتُبَ بِحُدُودِهَا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ الْمَحْدُودِ، وَالْمُشْتَرَى الْمَحْدُودُ دُونَ الْحَدِّ فَإِذَا قَالَ: اشْتَرَاهَا بِحُدُودِهَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ الْحُدُودُ الَّتِي تُسَمَّى، وَلَكِنَّا نَقُولُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا كَتَبَ: أَحَدُ حُدُودِهَا يَنْتَهِي إلَى كَذَا فَقَوْلُهُ: اشْتَرَاهَا بِحُدُودِهَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمُنْتَهِي دُونَ الْمُنْتَهَى إلَيْهِ وَالْمُنْتَهِي دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ فَيَسْتَقِيمُ أَنْ يَكْتُبَ اشْتَرَاهَا بِحُدُودِهَا، وَعَلَى مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَانَتْ الْحُدُودُ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ فَلَا يَسْبِقُ إلَى وَهْمِ أَحَدِ ذَلِكَ فَيَكْتُبُ اشْتَرَاهَا بِحُدُودِهَا كُلِّهَا وَأَرْضِهَا وَبِنَائِهَا وَسُفْلِهَا وَعُلْوِهَا، وَمِنْ أَصْحَابِ الشُّرُوطِ مَنْ يَخْتَارُ سُفْلَهُ وَعُلْوَهُ، وَقَالَ: السُّفْلُ وَالْعُلْوُ لِلْبِنَاءِ لَا لِلدَّارِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكْتُبَ: وَمِنْهَا سُفْلُهُ وَعُلْوُهُ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ مَذْكُورٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ سِرْدَابٌ، فَإِذَا قَالَ: سُفْلُهُ وَعُلْوُهُ لَا يَدْخُلُ السِّرْدَابُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبِنَاءٍ وَالْبِنَاءُ مَا يَكُونُ عَلَى الْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ: سُفْلُهَا وَعُلْوُهَا دَخَلَ جَمِيعُ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ: إذَا قَالَ: سُفْلُهَا وَعُلْوُهَا يَدْخُلُ الْهَوَاءُ فِي ظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ، وَبَيْعُ الْهَوَاءِ لَا يَجُوزُ فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ قُلْنَا: هَذَا لَا يَسْبِقُ إلَيْهِ وَهْمُ أَحَدٍ وَيُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ دُونَ مَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ

ثُمَّ قَالَ: طَرِيقُهَا وَمَرَافِقُهَا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الشُّرُوطِ يَذْكُرُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>