بِدَرَاهِمِهِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اشْتَرَى فُلَانٌ لِفُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ وَيَجْرِي الْكِتَابُ عَلَى رَسْمِهِ إلَى أَنْ يَكْتُبَ فِي آخِرِهِ فَمَا أَدْرَكَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ دَرَكٍ فِيمَا اشْتَرَى لَهُ فُلَانٌ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ حَتَّى يُسَلِّمَهُ لَهُ فَقَدْ ذَكَرَ ضَمَانَ الدَّرَكِ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْعَقْدِ فِيمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ وَلَكِنْ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالتَّسْلِيمِ يُخْرِجُ مِنْ الْوَسَطِ فَالِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ وَالدَّرَكُ إنَّمَا يَلْحَقُ الْمُوَكِّلَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ الْخُصُومَةُ مَعَ الْوَكِيلِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حِينَ كَانَ بِالرَّقَّةِ كَتَبَ لِلرَّشِيدِ كِتَابًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَكَتَبَ فَمَا أَدْرَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ دَرَكٍ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ حَتَّى يُسَلِّمَهُ لَهُ أَوْ يَرُدَّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهُوَ فُلَانٌ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ الْمَجْلِسَ مِنْ أَصْحَابِهِ لِمَاذَا كَتَبْت الدَّرَكَ لِلْمُشْتَرَى لَهُ فَقَالَ هَكَذَا كَتَبَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ إذَا كَتَبَ الدَّرَكَ لَهُ فَلِمَاذَا لَمْ تَكْتُبْ رَدَّ الثَّمَنِ عَلَيْهِ قَالَ لِأَنَّ رَدَّ الثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِالْعَقْدِ وَالثَّمَنُ بِالْعَقْدِ وَجَبَ عَلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ فَكَذَلِكَ الرَّدُّ يَكُونُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ قِيلَ فَإِنْ كَتَبَ كَاتِبٌ أَوْ يَرُدَّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرَى لَهُ قَالَ أَكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا أُفْسِدُ بِهِ الْعَقْدَ وَكَأَنَّهُ سَلَكَ فِي هَذَا طَرِيقَةَ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى قِيَاسِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قَبَضَ الْمُوَكِّلُ الثَّمَنَ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَتَبَ كَاتِبٌ فَمَا أَدْرَكَ فُلَانٌ الْمُشْتَرِي قَالَ أَكْرَهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَلَا أُفْسِدُ بِهِ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ الدَّرَكَ قَدْ يَلْحَقُ الْوَكِيلَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَكِنْ لَوْ كَتَبَ فِي ضَمَانِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ مَا يَبْنِي الْمُشْتَرِي كَانَ ذَلِكَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْبِنَاءِ فِي هَذِهِ الدَّارِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ بِدُونِ رِضَا الْمُوَكِّلِ فَاشْتِرَاطُ ضَمَانِ بِنَائِهِ فِي الْعَقْدِ كَاشْتِرَاطِ ضَمَانِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ.
وَإِنْ اشْتَرَى دَارًا فِيهَا حَمَّامٌ كَتَبَ عَلَى نَحْوِ مَا وَصَفْنَا فِي شِرَاءِ الدَّارِ وَالدَّارَيْنِ قَالَ وَيُسَمِّي فِيهَا قِدْرَ الْحَمَّامِ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ قِدْرَ الْحَمَّامِ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِخِلَافِ الْأَبْوَابِ وَالسُّرَرُ الْمُرَكَّبَةُ فِي شِرَاءِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْقِدْرَ لَا يُرَكَّبُ فِي مَوْضِعِهِ لِيَكُونَ عَلَى الْبِنَاءِ وَلَكِنَّهُ يُوضَعُ عَلَى الْأَبْوَابِ وَيُطَيَّنُ مَا حَوْلَهُ لِكَيْ لَا يُخْرِجَ النَّارَ وَالدُّخَانَ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الشُّرُوطِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَكْتُبُونَ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَمَّامِ بِحُدُودِهَا وَقِدْرِهَا وَآنِيَتِهَا وَمَلْقَى رَمَادِهَا وَشُرُفَاتِهَا وَبِئْرِهَا وَالْبَكَرَةِ وَالدَّلْوِ وَالرِّشَاءِ الَّتِي فِيهَا وَمُسْتَنْقَعِ مَا فِيهَا مِنْ حُقُوقِهَا وَبَعْضُ هَذَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَلَكِنَّهُمْ يَذْكُرُونَهُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute