فَحِينَ اُسْتُحِقَّتْ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ عِوَضًا عَمَّا هُوَ مُسْتَحَقٌّ، وَبَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْقَابِضِ فِيهِ بِالْبَيْعِ ثُمَّ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ فَيَرُدُّ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِهَذَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَاعَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ قَدْ بَطَلَتْ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا فَقَدْ بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا النِّصْفُ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ الْآخَرِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِنِصْفِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَحَقَّ إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ أُعِيدَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى مَا بَقِيَ نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ بَيْتٍ وَاحِدٍ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ كَانَ لَهُمَا فِي الدَّارِ شَرِيكًا فِي الْبِنَاءِ وَالْقِسْمَةُ لَا تَصِحُّ بِدُونِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّ فِيمَا يَخُصُّ الْبَيْتَ الْقِسْمَةُ تَبْطُلُ فَلَوْ بَقِيَتْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ تَضَرَّرَ بِهِ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَفَرَّقُ نَصِيبُهُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَالْقِسْمَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَلِهَذَا تُعَادُ الْقِسْمَةُ عَلَى مَا بَقِيَ نِصْفَيْنِ.
وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ مِنْ مُقَدَّمِهَا بِجَمِيعِ نَصِيبِهِ وَأَخَذَ الْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ مُؤَخَّرِهَا بِنَصِيبِهِ، وَبَاعَ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ نِصْفُ الثُّلُثِ قَالَ: يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ بِرُبُعِ قِيمَةِ الثُّلُثَيْنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الثُّلُثَيْنِ، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَصْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ نِصْفِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ فِيمَا بَقِيَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ فَإِنَّ ابْنَ سِمَاعَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَتَبَ إلَى مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَكَتَبَ إلَيْهِ فِي جَوَابِهِ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ بِاسْتِحْقَاقِ نِصْفِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَوْ لَمْ يَبِعْ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ لَكَانَتْ الْقِسْمَةُ تَبْقَى وَيَتَخَيَّرُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ فَتَبْطُلُ الْقِسْمَةُ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَى الْقِسْمَةَ وَرَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبُعِ الثُّلُثَيْنِ، فَإِذَا بَاعَ نَصِيبَهُ فَقَدْ تَعَذَّرَ نَقْضُ الْقِسْمَةِ لِإِخْرَاجِهِ نَصِيبَهُ مِنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ صَاحِبُ الثُّلُثِ عَلَيْهِ بِمَا يَخُصُّ بِهِ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ الثُّلُثَيْنِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ نَصِيبِهِ رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الثُّلُثَيْنِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ نَصِيبِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِرُبُعِ قِيمَةِ الثُّلُثَيْنِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقِسْمَةُ تَبْطُلُ بِظُهُورِ شَرِيكٍ ثَالِثٍ لَهُمَا فِي الدَّارِ، وَلَكِنَّ إخْرَاجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ كَانَ صَحِيحًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute