وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِهِ، وَإِنْ قَالَ رَبُّ الدَّنِّ عَبَرَ فَانْكَسَرَ، وَقَالَ الْحَمَّالُ أَصَابَهُ حَجَرٌ فَانْكَسَرَ أَوْ قَالَ كَانَ مُنْكَسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَمَّالِ وَلَهُ الْأَجْرُ إلَى حَيْثُ انْكَسَرَ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ سَبَبَ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ يَدَّعِي عَلَيْهِ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ الِاسْتِهْلَاكَ، وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ، وَأَمَّا الْأَجْرُ إلَى حَيْثُ انْكَسَرَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّنِّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيُقَرِّرُ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْ الْأَجْرِ ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يُخْلِفْ بَدَلًا فَلَا يُمْكِنُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ؛ فَلِهَذَا كَانَ لِلْحَمَّالِ الْأَجْرُ حَيْثُ انْكَسَرَ.
وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ ثَوْبًا إلَى صَبَّاغٍ يَصْبُغُهُ فَصَبَغَهُ فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَحْمَرَ وَقَالَ الصَّبَّاغُ: أَمَرْتنِي أَنْ أَصْبُغَهُ أَسْوَدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَفِيهِ خِلَافُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِجَارَاتِ، فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الثَّوْبِ قُوِّمَ الثَّوْبُ أَبْيَضَ وَقُوِّمَ مَصْبُوغًا بِذَلِكَ الصِّبْغِ فَأَعْطَاهُ مَا زَادَ الصِّبْغُ فِيهِ وَلِأَنَّهُ وَافَقَ فِي أَصْلِ الصِّبْغِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي الصِّفَةِ وَلِأَنَّ الصِّبْغَ عَيْنٌ اتَّصَلَ بِهِ فَلَا يُسَلَّمُ لَهُ مَجَّانًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبِ إنْسَانٍ وَأَلْقَتْهُ فِي صَبْغِ غَيْرِهِ أَوْ غَصَبَ ثَوْبًا وَصَبَغَهُ وَاخْتَارَ رَبُّ الثَّوْبِ أَخْذَ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ مَا زَادَ الصِّبْغُ فِيهِ.
وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ دَابَّةً مِنْ الْبَصْرَةِ إلَى الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَذْهَبَ بِهَا إلَى أَيِّ نَوَاحِيهَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْكُوفَةَ اسْمٌ لِلْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ، وَجَوَانِبُ الْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي عَقْدِ السَّلَمِ إذَا شَرَطَ إبْقَاءَ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِالْكُوفَةِ جَازَ الْعَقْدُ، فَكَذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ إذَا اسْتَأْجَرَهَا إلَى الْكُوفَةِ جَازَ الْعَقْدُ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى أَيِّ نَوَاحِيهَا شَاءَ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ فَإِنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ يَبْلُغُ عَلَيْهَا إلَى مَنْزِلِهِ فِي الْعَادَةِ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الرَّيِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ بِهَا إلَى أَيِّ نَوَاحِيهَا شَاءَ، وَالْكِرَاءُ إلَى الرَّيِّ فَاسِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ إلَى مَدِينَتِهَا دُونَ نَوَاحِيهَا، وَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إلَى مَدِينَتِهَا بِالِاسْتِحْسَانِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ الرَّيَّ اسْمٌ لِوِلَايَةٍ تَشْتَمِلُ عَلَى مَدَائِنَ وَنَوَاحِيَ فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ لِلْجَهَالَةِ الَّتِي تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا يُطْلَقُ هَذَا الِاسْمُ عَلَى مَدِينَتِهَا فِي الْعُرْفِ وَالثَّابِتُ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ وَلَوْ سَمَّى مَدِينَةً مِنْ مَدَائِنِهَا كَانَ جَائِزًا، وَكَذَلِكَ خُرَاسَانُ وَالشَّامُ وَالْعِرَاقُ إنْ سَمَّى مِنْهَا مَكَانًا مَعْلُومًا جَازَ الْعَقْدُ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَسَدَ الْعَقْدُ لِلْجَهَالَةِ الَّتِي تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَنَظِيرُ هَذَا فِي دِيَارِنَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى كَاشْغَرَ جَازَ الْعَقْدُ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلْبَلْدَةِ خَاصَّةً، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ كَاشْغَرَ إلَى فَرْغَانَةَ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute