للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهِ رَبُّ الدَّارِ فَلْيُسَمِّ لِكُلِّ سَنَةٍ مِنْ هَذِهِ السِّنِينَ أَجْرًا أَوْ يَجْعَلْ لِلسَّنَةِ الْأَخِيرَةِ أَجْرًا كَثِيرًا وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ خَافَ أَنْ تُنْقَضَ الْإِجَارَةُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ بِمَوْتِ رَبِّ الدَّارِ أَوْ بِأَنْ يَلْحَقَهُ دَيْنٌ فَادِحٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُذْرِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مَقْصُودُهُ إلَّا السُّكْنَى فِي آخِرِ الْمُدَّةِ فَالْحِيلَةُ مَا ذُكِرَ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْأَجْرَ لِلسِّنِينَ الْمُتَقَدِّمَةِ شَيْئًا قَلِيلًا حَتَّى إذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ قَبْلَ حُصُولِ مَقْصُودِهِ لَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَجْرِ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَيُمْنَعُ رَبُّ الدَّارِ مِنْ الْفَسْخِ لِلْعُذْرِ كَيْ لَا يَفُوتَهُ مُعْظَمُ الْأَجْرِ بِالسُّكْنَى فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَجْعَلَ الْعَقْدَ فِي صَفْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ الْكُلَّ صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَفَرَّقَ التَّسْمِيَةَ فَرُبَّمَا يَذْهَبُ بَعْضُ الْقُضَاةِ إلَى رَأْيِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُوَزِّعُ الْمُسَمَّى عَلَى جَمِيعِ الْمُدَّةِ بِالْحِصَّةِ، فَلَا يُنْظَرُ إلَى تَفْرِيقِ التَّسْمِيَةِ مَعَ اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الصَّفْقَةِ يَأْمَنُ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الدَّارِ مِنْ مَرَمَّتِهَا، وَيَخَافُ أَنْ لَا يَرُدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ رَبُّ الدَّارِ إنْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مِقْدَارِ مَا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَهُ فَيَضُمَّ ذَلِكَ إلَى أَجْرِ الدَّارِ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ وَيُقِرَّ رَبُّ الدَّارِ أَنِّي اسْتَسْلَفْت مِنْهُ هَذَا الْمِقْدَارَ مِنْ أَجْرِ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ حَتَّى إذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَسْلَفَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ خَافَ أَنْ يُحَلِّفَهُ رَبُّ الدَّارِ أَنَّهُ سَلَّمَ إلَيْهِ شَيْئًا كَمَا هُوَ رَأْيُ بَعْضِ الْقُضَاةِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ شَيْئًا بِذَلِكَ الْقَدْرِ حَتَّى إذَا حَلَفَ لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا فِي يَمِينِهِ، فَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّارِ هُوَ الَّذِي يَخَافُ أَنْ يُنْكِرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْضَ السِّنِينَ، وَيُعْذَرَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِعُذْرٍ فَالسَّبِيلُ أَنْ يَجْعَلَ أَكْثَرَ الْأُجْرَةِ لِلسَّنَةِ الْأُولَى حَتَّى لَا يَفْسَخَ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ مُضِيِّهَا الْعَقْدَ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ أَكْثَرُ الْأُجْرَةِ، وَإِنْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ صَاحِبُ الدَّارِ.

وَإِنْ خَافَ أَنْ يَغِيبَ الْمُسْتَأْجِرُ وَيَمْتَنِعَ أَهْلُهُ مِنْ رَدِّ الدَّارِ إلَيْهِ إذَا طَلَبَهُ لِوَقْتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَاجِرَهَا مِنْ أَهْلِهِ، وَيَضْمَنَ لَهُ الزَّوْجُ رَدَّهَا لِلْوَقْتِ الَّذِي يُسَمِّيهِ فَيُؤْخَذُ بِهِ حِينَئِذٍ عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَجَرَهَا مِنْ الْأَهْلِ فَعَلَيْهِ رَدُّهَا إلَيْهِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ، وَيَصِيرُ الزَّوْجُ مُلْتَزِمًا رَدَّهَا بِالضَّمَانِ أَيْضًا فَيُطَالِبُهُ بِهِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ قَالَ: وَفِي هَذَا بَعْضُ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ رَدُّ الدَّارِ إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَمْنَعَ الْآجِرَ إذَا جَاءَ لِيَأْخُذَهَا، وَمِثْلُ هَذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودِعِ هَذَا وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا تَصِحُّ بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَصِيلِ، وَالرَّدُّ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَكَيْفَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ تَسْلِيمَ الدَّارِ إلَيْهِ فِي وَقْتِ كَذَا بِحَقٍّ لَازِمٍ صَحِيحٍ فَيَكُونُ مُؤَاخَذًا بِإِقْرَارِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا كَذِبٌ لَا رُخْصَةَ فِيهِ فَالْأَحْوَطُ

<<  <  ج: ص:  >  >>