للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْكَلَامِ فَجَارِيَتِي حُرَّةٌ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَبْدَأَ الزَّوْجُ بِالْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ كَلَّمَتْهُ بَعْدَ كَلَامِهِ حِينَ خَاطَبَتْهُ بِيَمِينِهَا فَلَا يَكُونُ الزَّوْجُ مُبْتَدِئًا لَهَا بِالْكَلَامِ بَعْدَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُكَلِّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مَعًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ إذَا حَلَفَ رَجُلَانِ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ ابْتَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَالْتَقَيَا وَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مَعًا لَمْ يَحْنَثْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَدِئَ بِالشَّيْءِ مَنْ يَسْبِقُ غَيْرَهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، فَإِذَا اقْتَرَنَ كَلَامُهُ بِكَلَامِ صَاحِبِهِ لَمْ يَكُنْ مُبْتَدِئًا

رَجُلٌ قَالَ: وَاَللَّهِ أَمَّا أَنَا لَا أَجْلِسُ فَمَا أَقُومُ حَتَّى أُقَامَ يَعْنِي حَتَّى يُقَوِّيَنِي اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَيُقِيمَنِي، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ صَادِقٌ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاَللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٦] فَلَا يَقُومُ أَحَدٌ مَا لَمْ يُقِمْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إلَى اللَّهِ} [فاطر: ١٥] أَنَّ الْمُرَادَ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَغْنِي فِي شَيْءٍ مِنْ أَقْوَالِهِ وَحَرَكَاتِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا إلَّا أَنْ لَا يَسْتَطِيعَ، وَهُوَ يَعْنِي بِذَلِكَ الْقَضَاءَ وَالْقَدَرَ، فَإِنَّهُ تَعْمَلُ نِيَّتُهُ، وَلَا يَكُونُ حَانِثًا فِي يَمِينِهِ بِحَالٍ

وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ ذُقْت طَعَامًا حَتَّى أَضْرِبَك فَأَنِفَتْ الْأَمَةُ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَهَبَهَا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ ثُمَّ يَتَنَاوَلَ الطَّعَامَ فَلَا يَحْنَثَ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لِوَلَدِهِ بِنَفْسِ الْهِبَةِ، فَإِنَّمَا يُوجَدُ الشَّرْطُ وَهِيَ لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ

قَالَ: وَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ امْرَأَةٍ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: اخْلَعْنِي فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ سَأَلْتنِي الْخُلْعَ إنْ لَمْ أَخْلَعْك فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: جَارِيَتِي حُرَّةٌ إنْ لَمْ أَسْأَلْك قَبْلَ اللَّيْلِ وَجَاءَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سَلِيهِ الْخُلْعَ فَقَالَتْ لِزَوْجِهَا: أَسْأَلُك أَنْ تَخْلَعَنِي فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِزَوْجِهَا: قُلْ قَدْ خَلَعْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ تُعْطِيهَا لِي فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهَا قُولِي لَا أَقْبَلُهُ فَقَالَتْ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُومَا، فَقَدْ بَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ بِرِّهَا فِي الْيَمِينِ أَنْ تَسْأَلَهُ الْخُلْعَ، وَقَدْ سَأَلَتْهُ وَشَرْطَ بِرِّ الزَّوْجِ أَنْ يَخْلَعَهَا بَعْدَ سُؤَالِهَا، وَقَدْ فَعَلَ، فَإِنَّمَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ خَاصَّةً، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ حِينَ رَدَّتْ الْخُلْعَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَصِيرُ رِوَايَةً فِيمَا إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: اخْلَعْنِي فَقَالَ الزَّوْجُ خَلَعْتُك عَلَى كَذَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ الْفُرْقَةُ مَا لَمْ تَقُلْ الْمَرْأَةُ قَبِلْت بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ: اخْلَعْنِي عَلَى كَذَا فَقَالَ: قَدْ فَعَلْت، فَإِنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَذْكُرْ الْبَدَلَ كَانَ كَلَامُهَا سُؤَالًا لِلْخُلْعِ لَا أَحَدَ شَطْرَيْ الْعَقْدِ إلَّا أَنَّ فِي النِّكَاحِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الْبَدَلَ وَبَيْنَ أَنْ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>