وَفِي الْآثَارِ «أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْحِنْطَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا فَزَرَعَهَا وَسَقَاهَا وَحَصَدَهَا وَدَرَسَهَا وَطَحَنَهَا وَخَبَزَهَا فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ حَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَالَ: إنَّ رَبَّك يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ: إنْ صُمْت بَقِيَّةَ الْيَوْمِ غَفَرْت لَك خَطِيئَتَك وَشَفَّعْتُك فِي أَوْلَادِك فَصَامَ وَكَانَ حَرِيصًا عَلَى تَنَاوُلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ لِيَنْظُرَ يَجِدُ لَهُ مِنْ الطَّعْمِ مَا كَانَ يَجِدُ لِطَعَامِ الْجَنَّةِ» فَمِنْ ثَمَّةَ حَرَصَ الصَّائِمُونَ بَعْدَ الْعَصْرِ عَلَى تَنَاوُلِ الطَّعَامِ.
، وَكَذَا نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ نَجَّارًا يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِدْرِيسُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ خَيَّاطًا وَإِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ بَزَّارًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «عَلَيْكُمْ بِالْبَزْرِ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ بَزَّارًا» يَعْنِي الْخَلِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَدَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِهِ» عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ مُتَنَكِّرًا فَيَسْأَلُ عَنْ سِيرَةِ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ حَتَّى اسْتَقْبَلَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَوْمًا عَلَى صُورَةِ شَابٍّ فَقَالَ لَهُ كَيْفَ تَعْرِفُ دَاوُد أَيُّهَا الْفَتَى فَقَالَ نِعْمَ الْعَبْدُ دَاوُد إلَّا أَنَّ فِيهِ خَصْلَةً قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: إنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنَّ خَيْرَ النَّاسِ مَنْ يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِهِ فَرَجَعَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى مِحْرَابِهِ بَاكِيًا مُتَضَرِّعًا يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ عَلِّمْنِي كَسْبًا تُغْنِينِي بِهِ عَنْ بَيْتِ الْمَالِ فَعَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى صَنْعَةَ الدِّرْعِ وَلَيَّنَ لَهُ الْحَدِيدَ حَتَّى كَانَ الْحَدِيدُ فِي يَدِهِ كَالْعَجِينِ فِي يَدِ غَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: ١٠] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} [الأنبياء: ٨٠] فَكَانَ يَصْنَعُ الدِّرْعَ وَيَبِيعُ كُلَّ دِرْعٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَكَانَ يَأْكُلُ مِنْ ذَلِكَ وَيَتَصَدَّقُ»، وَسُلَيْمَانُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه يَصْنَعُ الْمَكَايِيلَ مِنْ الْخُوصِ فَيَأْكُلُ مِنْ ذَلِكَ، وَزَكَرِيَّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ نَجَّارًا، وَعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ غَزْلِ أُمِّهِ وَرُبَّمَا كَانَ يَلْتَقِطُ السُّنْبُلَةَ فَيَأْكُلُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ نَوْعُ اكْتِسَابٍ.
وَنَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْعَى فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَوْمًا كُنْت رَاعِيًا لِعُقْبَةَ بْنِ مُعَيْطٍ وَمَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا وَكَانَ رَاعِيًا»، وَفِي حَدِيثِ «السَّائِبِ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِيكِي وَكَانَ خَيْرُ شَرِيكٍ لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي» أَيْ: لَا يُلَاحِي، وَلَا يُخَاصِمُ فَقِيلَ: فَبِمَاذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَكُمَا فَقَالَ: فِي الْأُدْمِ وَازْدَرَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ لِيُعْلِمَ أَنَّ الْكَسْبَ طَرِيقُ الْمُرْسَلِينَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -.
ثُمَّ الْكَسْبُ نَوْعَانِ: كَسْبٌ مِنْ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ وَكَسْبٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ فَالْكَاسِبُ لِنَفْسِهِ هُوَ الطَّالِبُ لِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْمُبَاحِ وَالْكَاسِبُ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ الْبَاغِي لِمَا عَلَيْهِ فِيهِ جُنَاحٌ نَحْوَ مَا يَكُونُ مِنْ السَّارِقِ وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْهُ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute