الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ إلَّا مَنْ قَالَ بِمَالِهِ هَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي يَتَصَدَّقُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَقُولُ الشَّيْطَانُ: لَنْ يَنْجُوَ مِنِّي صَاحِبُ الْمَالِ مِنْ إحْدَى ثَلَاثٍ: إمَّا أَنْ أُزَيِّنَهُ فِي عَيْنِهِ فَيَجْمَعَهُ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، وَإِمَّا أَنْ أُحَقِّرَهُ فِي عَيْنِهِ فَيُعْطِيَ فِي غَيْرِ حِلِّهِ، وَإِمَّا أَنْ أُحَبِّبَهُ إلَيْهِ فَيَمْنَعَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ» فَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْجَمْعِ أَسْلَمُ، وَلَا عَيْبَ عَلَى مَنْ اخْتَارَ طَرِيقَ السَّلَامَةِ ثُمَّ بَيَّنَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْكَسْبَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْقُرَبِ وَالطَّاعَاتِ أَيَّ كَسْبٍ كَانَ حَتَّى قَالَ: إنَّ كَسْبَ فَتَّالِ الْحِبَالِ وَمُتَّخِذِ الْكِيزَانِ وَالْجِرَارِ وَكَسْبَ الْحَرَكَةِ فِيهِ مُعَاوَنَةٌ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْقُرَبِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ إلَّا بِالطَّهَارَةِ وَيَحْتَاجُ ذَلِكَ إلَى كُوزٍ يُسْتَقَى بِهِ الْمَاءُ وَإِلَى دَلْوٍ وَرِشَاءٍ يُنْزَحُ بِهِ الْمَاءُ وَيَحْتَاجُ إلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ بِعَمَلِ الْحَرَكَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ أَسْبَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى إقَامَةِ الطَّاعَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِهِ لَا تَسُبُّوا الدُّنْيَا فَنِعْمَ مَطِيَّةُ الْمُؤْمِنِ الدُّنْيَا إلَى الْآخِرَةِ، وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ فَقَالَ: الصَّلَاةُ وَأَكْلُ الْخُبْزِ فَنَظَرَ إلَيْهِ الرَّجُلُ كَالْمُتَعَجِّبِ فَقَالَ: لَوْلَا الْخُبْزُ مَا عُبِدَ اللَّهُ تَعَالَى يَعْنِي بِأَكْلِ الْخُبْزِ يُقِيمُ صُلْبَهُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الطَّاعَةِ.
ثُمَّ الْمَذْهَبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَكَاسِبَ كُلَّهَا فِي الْإِبَاحَةِ سَوَاءٌ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَقَشِّفَةِ مَا يَرْجِعُ إلَى الدَّنَاءَةِ مِنْ الْمَكَاسِبِ فِي عُرْفِ النَّاسِ لَا يَسَعُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيُبْغِضُ سَفْسَافَهَا» وَالسَّفْسَافُ مَا يُدْنِي الْمَرْءَ وَيَبْخَسُهُ
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ مِنْ الذُّنُوبِ ذُنُوبًا لَا يُكَفِّرُهَا الصَّوْمُ، وَلَا الصَّلَاةُ قِيلَ: فَمَا يُكَفِّرُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْهُمُومُ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «طَلَبُ الْحَلَالِ كَمُقَارَعَةِ الْأَبْطَالِ، وَمَنْ بَاتَ وَانِيًا مِنْ طَلَبِ الْحَلَالِ مَاتَ مَغْفُورًا لَهُ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الِاكْتِسَابُ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى الْعِيَالِ» مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْكَسْبِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سِوَى التَّعَفُّفِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ السُّؤَالِ لَكَانَ مَنْدُوبًا إلَيْهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «السُّؤَالُ آخِرُ كَسْبِ الْعَبْدِ» أَيْ يَبْقَى فِي ذُلِّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ لِغَيْرِهِ مَكْسَبَةٌ فِيهَا نَقْصُ الْمَرْتَبَةِ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْك أَوْ مَنَعُوك» ثُمَّ الْمَذَمَّةُ فِي عُرْفِ النَّاسِ لَيْسَتْ لِلْكَسْبِ بَلْ لِلْخِيَانَةِ وَخُلْفِ الْوَعْدِ وَالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَمَعْنَى الْبُخْلِ
ثُمَّ الْمَكَاسِبُ أَرْبَعَةٌ الْإِجَارَةُ وَالتِّجَارَةُ وَالزِّرَاعَةُ وَالصِّنَاعَةُ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي الْإِبَاحَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute