كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يُقِيمُ مِنْ الْعَمَلِ يَكُونُ مُعِينًا لِغَيْرِهِ فِيمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ، فَإِنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ بِهَذَا يَحْصُلُ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ» وَسَوَاءٌ أَقَامَ ذَلِكَ الْعَمَلَ بِعِوَضٍ شَرَطَهُ عَلَيْهِ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَإِذَا كَانَ قَصْدُهُ مَا بَيَّنَّا كَانَ فِي عَمَلِهِ مَعْنَى الطَّاعَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، فَإِذَا نَوَى الْعَامِلُ بِعَمَلِهِ التَّمَكُّنَ مِنْ إقَامَةِ الطَّاعَةِ أَوْ تَمْكِينِ أَخِيهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مُثَابًا عَلَى عَمَلِهِ بِاعْتِبَارِ نِيَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَنَاكِحَيْنِ إذَا قَصَدَا بِفِعْلِهِمَا ابْتِغَاءَ الْوَلَدِ وَتَكْثِيرَ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَأُمَّةَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُمَا الثَّوَابُ عَلَى عَمَلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ فِي الْأَصْلِ وَلَكِنْ بِالنِّيَّةِ يَصِيرُ مَعْنَى الْقُرْبَةِ أَصْلًا وَيَصِيرُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ تَبَعًا فَهَذَا مِثْلُهُ
(قَالَ: فَإِنْ تَرَكُوا الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ، فَقَدْ عَصَوْا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَلَفًا) يَعْنِي أَنَّ النَّفْسَ لَمَّا كَانَتْ لَا تَبْقَى عَادَةً بِدُونِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَالْمُمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ قَاتِلٌ نَفْسَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩]، وَهُوَ مُعَرِّضٌ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] وَبَعْدَ التَّنَاوُلِ، فَقَدْرُ مَا يَسُدُّ بِهِ رَمَقَهُ يُنْدَبُ إلَى أَنْ يَتَنَاوَلَ مِقْدَارَ مَا يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ يَضْعُفُ وَرُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ الطَّاعَةِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ»، وَلِأَنَّ اكْتِسَابَ مَا يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ يَكُونُ طَاعَةً، وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَى الْإِتْيَانِ بِمَا هُوَ طَاعَةٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَقَالَ: الصَّلَوَاتُ وَأَكْلُ الْخُبْزِ قَالَ: وَقَدْ نُقِلَ عَنْ مَسْرُوقٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ أَنَّ مَنْ اُضْطُرَّ فَلَمْ يَأْكُلْ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ وَالْمُرَادُ تَنَاوُلُ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ الْحُرْمَةَ تَنْكَشِفُ فَيُلْحَقُ بِالْمُبَاحِ، وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمَيْتَةِ هَذَا مَعَ حُرْمَتِهَا فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَمَا ظَنُّك فِي الطَّعَامِ الْحَلَالِ
(قَالَ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ فَرِيضَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: ٣١] الْآيَةَ) وَالْمُرَادُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ خَصَّ الْمَسَاجِدَ بِالذِّكْرِ وَالنَّاسُ فِي الْأَسْوَاقِ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فِي الْمَسَاجِدِ؟ فَلَا فَائِدَةَ لِتَخْصِيصِ الْمَسَاجِدِ بِالذِّكْرِ سِوَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ سَتْرَ الْعَوْرَةِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ فَرْضًا، وَلَئِنْ كَانَ الْمُرَادُ سَتْرَ الْعَوْرَةِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فَالْأَمْرُ حَقِيقَةٌ لِلْوُجُوبِ فَإِنْ كَانَ خَالِيًا فِي بَيْتِهِ، فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَى السَّتْرِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ذَكَرُوا عِنْدَهُ كَشْفَ الْعَوْرَةِ قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ»
(قَالَ وَعَلَى النَّاسِ اتِّخَاذُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute