للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَذَكَرَ الْأَحْنَفُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَسَّعَ الدُّنْيَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَوْ وَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَ طَعَامَهُ طَيِّبًا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَبَكَى وَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ ثَلَاثَةً اصْطَلَحُوا فَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمْ فِي الطَّرِيقِ وَالثَّانِي بَعْدَهُ ثُمَّ خَالَفَهُمْ الثَّالِثُ فِي الطَّرِيقِ أَكَانَ يُدْرِكُهُمْ؟ فَقَالَتْ: لَا، قَالَ: فَقَدْ تَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ يُصِبْ مِنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا شَيْئًا وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَهُ كَذَلِكَ، فَلَوْ اشْتَغَلَ عُمَرُ بِقَضَاءِ الشَّهَوَاتِ فِي الدُّنْيَا مَتَى يُدْرِكُهُمْ» فَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ أَفْضَلُ، وَفِي الْحَاصِلِ الْمَسْأَلَةُ صَارَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ فَفِي مِقْدَارِ مَا يَسُدُّ بِهِ رَمَقَهُ وَيَتَقَوَّى عَلَى الطَّاعَةِ هُوَ مُثَابٌ غَيْرُ مُعَاقَبٍ، وَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى حَدِّ الشِّبَعِ هُوَ مُبَاحٌ لَهُ مُحَاسَبٌ عَلَى ذَلِكَ حِسَابًا يَسِيرًا بِالْعَرَضِ.

وَفِي قَضَاءِ الشَّهَوَاتِ وَنَيْلِ اللَّذَّاتِ مِنْ الْحَلَالِ هُوَ مُرَخَّصٌ لَهُ فِيهِ مُحَاسَبٌ عَلَى ذَلِكَ مُطَالَبٌ بِشُكْرِ النِّعْمَةِ وَحَقِّ الْجَائِعِينَ، وَفِيمَا زَادَ عَلَى الشِّبَعِ هُوَ مُعَاقَبٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْأَكْلَ فَوْقَ الشِّبَعِ حَرَامٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا، وَفِي الْكِتَابِ قَالَ أَكْرَهُهُ وَمُرَادُهُ التَّحْرِيمُ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِيلَ لَهُ: إذَا قُلْت فِي شَيْءٍ أَكْرَهُهُ مَا رَأْيُك فِيهِ قَالَ إلَى الْحُرْمَةِ أَقْرَبُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا تَجَشَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ لَا تَفْتِنَّا» وَالْجُشَأُ مِنْ الْأَكْلِ فَوْقَ الشِّبَعِ فَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ الْأَكْلَ فَوْقَ الشِّبَعِ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ وَتَسَبُّبُ الْمَوْتِ ارْتِكَابُ الْحَرَامِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا اكْتَسَبَهُ مِنْ حِلِّهِ فَأَمَّا مَا اكْتَسَبَهُ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، فَهُوَ مُعَاقَبٌ عَلَى التَّنَاوُلِ مِنْهُ فَفِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ مِنْهُ سَوَاءٌ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ السُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ»، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا اكْتَسَبَ الْمَرْءُ دِرْهَمًا مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ يُنْفِقُهُ عَلَى أَهْلِهِ وَيُبَارَكُ لَهُ فِيهِ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ أَوْ يُخَلِّفُهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ إلَّا كَانَ ذَلِكَ زَادَهُ إلَى النَّارِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اكْتَسَبَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَلَا يُبَالِي أَدْخَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى النَّارَ مِنْ أَيِّ بَابٍ كَانَ وَلَا يُبَالِي» «، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَيِّبْ طُعْمَتَك أَوْ قَالَ أَكْلَتَك تُسْتَجَبْ دَعْوَتُك».

وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي بَيَانِ حَالِ النَّاسِ بَعْدَهُ يُصْبِحُ أَحَدُهُمْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَقُولُ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ» «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الدِّرْهَمُ الْحَلَالُ فِيهِمْ أَعَزُّ مِنْ أَخٍ فِي اللَّهِ وَالْأَخُ فِي اللَّهِ أَعَزُّ فِيهِمْ مِنْ دِرْهَمٍ حَلَالٍ» قَالَ فِي الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ اللِّبَاسِ يَعْنِي أَنَّهُ مَأْجُورٌ فِيمَا يُوَارِي بِهِ سَوْأَتَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>