للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُجْمَعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مِنْ أَدَاتَيْ لَفْظٍ وَاحِدٍ فَإِنْ قِيلَ: لَا كَذَلِكَ فَمِنْ أُصُولِ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ حَتَّى إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَضَعَ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ فَدَخَلَهَا حَافِيًا أَوْ مُنْتَعِلًا مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا كَانَ حَانِثًا فِي يَمِينِهِ، وَهَذَا اللَّفْظُ لِلنَّهَارِ حَقِيقَةً وَيَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ مَجَازًا وَقَالَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا اسْتَأْمَنَ الْحَرْبِيُّ عَلَى بَنِيهِ دَخَلَ فِي الْأَمَانِ بَنُو بَنِيهِ مَعَ بَنِيهِ لِصُلْبِهِ وَالِاسْمُ لِبَنِيهِ حَقِيقَةٌ وَلِبَنِي بَنِيهِ مَجَازٌ قُلْنَا: لَا كَذَلِكَ فَالْحَقِيقَةُ اسْتِعْمَالُ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمَجَازُ اسْتِعَارَةُ الشَّيْءِ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَوْضِعِهِ وَمُسْتَعَارًا كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ عَلَى اللَّابِسِ مِلْكًا لَهُ وَعَارِيَّةً فِي يَدِهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ فَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ الدُّخُولِ عَلِمَ ذَلِكَ بِالْعُرْفِ ثُمَّ يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ دُخُولٌ لَا لِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَكَذَلِكَ الْيَوْمُ فِيمَا لَا يَمْتَدُّ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ ظَرْفٌ لَهُ فَيَحْنَثُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِوُجُودِ وَقْتِ الْقُدُومِ لَا لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، فَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ فِيمَا يَمْتَدُّ يُحْمَلُ ذِكْرُ الْيَوْمِ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ لِيَكُونَ مِعْيَارًا لَهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْأَمَانِ رِوَايَتَانِ كِلَاهُمَا فِي السِّيَرِ.

وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَدْخُلُ بَنُو الِابْنِ، وَإِنَّمَا أَدْخَلَهُمْ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْأَمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ وَأَدْنَى الشَّبَهِ يَكْفِي لِإِثْبَاتِهِ وَالسَّبَبُ الدَّاعِي لَهُ إلَى طَلَبِ هَذَا الْأَمَانِ شَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ وَشَفَقَتُهُ عَلَى بَنِيهِمْ كَشَفَقَتِهِ عَلَى بَنِيهِ، فَلِهَذَا أَدْخَلَهُمْ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِاللَّفْظِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ عَرَفْنَا أَنَّ حُرْمَةَ الْجَدَّاتِ ثَبَتَتْ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَعَلَى هَذَا حُرْمَةُ الِابْنَةِ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ وَحُرْمَةُ ابْنَةِ الْبِنْتِ وَابْنَةِ الِابْنِ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالسُّنَّةِ

قَالَ وَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْأُخْتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ بِالنَّسَبِ وَحَرَّمَتْ السُّنَّةُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ وَلَدِ الْأُخْتِ وَالْأَخِ إلَى أَسْفَلِ الدَّرَجَةِ وَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَمَّةَ بِالنَّسَبِ وَحَرَّمَتْ السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أُمَّ الْعَمَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهَا أُمَّ الْأَبِ أَوْ غَيْرَ أُمِّ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْعَمَّةَ إنْ كَانَتْ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأُمٍّ، فَإِنَّ الْعَمَّةَ أُمُّهَا أُمُّ الْأَبِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَمَّةُ لِأَبٍ فَأُمُّهَا امْرَأَةُ أَبِ الْأَبِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] وَأَقَامَتْ السُّنَّةُ امْرَأَةَ الْجَدِّ مَقَامَ امْرَأَةِ الْأَبِ، وَعَمَّةُ الْعَمَّةِ حَرَامٌ إذَا كَانَتْ الْعَمَّةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ أَبِي الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْعَمَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ، كَمَا أَنَّ الْعَمَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالُوا نَعْبُدُ إلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} [البقرة: ١٣٣]، وَهُوَ كَانَ عَمًّا وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُؤْذُونِي فِي بَقِيَّةِ آبَائِي» يَعْنِي الْعَبَّاسَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِذَا كَانَتْ الْعَمَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ فَعَمَّةُ الْعَمَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>