للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْحَيْضَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِمْكَانِ وَالْمُتَقَدِّمُ قِيَاسُ الْمُتَأَخِّرِ فَكَمَا جَعَلَ الْمُتَأَخِّرَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ حَيْضًا فَكَذَلِكَ الْمُتَقَدِّمُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: الْمُتَقَدِّمُ دَمٌ مُسْتَنْكَرٌ مَرْئِيٌّ قَبْلَ وَقْتِهِ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا كَالصَّغِيرَةِ جِدًّا إذَا رَأَتْ الدَّمَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْحَيْضِ لَهَا ابْتِدَاءً، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمَا لَيْسَ بِمَعْهُودٍ لَهَا مَا لَمْ يَتَأَكَّدْ بِالتَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ قَامَتْ عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ لَا تَنْتَقِلُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ بِخِلَافِ الْمُتَأَخِّرِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ هُنَاكَ إلَى إبْقَاءِ مَا ثَبَتَ مِنْ صِفَةِ الْحَيْضِ وَالْإِبْقَاءِ لَا يَسْتَدْعِي دَلِيلًا مُوجِبًا، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ إذَا رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ، وَرَأَتْ أَيَّامَهَا مَعَ ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَشْكُلُ أَنَّ الْكُلَّ حَيْضٌ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ اعْتِبَارًا لِلْمُتَقَدِّمِ بِالْمُتَأَخِّرِ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَتَانِ فِيهِ رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْكُلَّ حَيْضٌ وَمَا رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا يَكُونُ أَصْلًا لِكَوْنِهِ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ فَيَسْتَتْبِعُ مَا تَقَدَّمَ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ أَيَّامَهَا حَيْضٌ فَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُ فَحُكْمُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَا تَرَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَإِنْ رَأَتْ مَا رَأَتْهُ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ كَانَ حَيْضًا، وَانْتَقَلَتْ عَادَتُهَا بِالتَّكْرَارِ، وَإِنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فِي أَيَّامِهَا، وَلَمْ تَرَ قَبْلَ أَيَّامِهَا تَبَيَّنَّ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ مَرْئِيٌّ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَهُوَ نَفْسُهُ مُسْتَقِلٌّ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَبَعًا لِأَيَّامِهَا بِخِلَافِ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ فَإِذَا جَاءَتْ الْمَرْأَةُ تَسْتَفْتِي أَنَّهَا تَرَى الدَّمَ قَبْلَ أَيَّامِهَا فَعِنْدَهُمَا تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْ أَيَّامِ طُهْرِهَا مَا لَوْ ضُمَّ إلَى أَيَّامِهَا لَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ؛ لِأَنَّهَا تَرَى الدَّمَ عَقِيبَ طُهْرٍ صَحِيحٍ فَكَانَ حَيْضًا لِلْإِمْكَانِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ طُهْرِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرُ لَمْ تُؤْمَرْ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُتَقَدِّمَ لَيْسَ بِحَيْضٍ لِكَوْنِهِ مُسْتَقِلًّا فِي نَفْسِهِ فَلَا تَسْتَتْبِعُهُ أَيَّامَ حَيْضِهَا، وَإِنْ كَانَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَلَى قَوْلِ أَئِمَّةِ بَلْخِي تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَئِمَّةِ بُخَارَى لَا تُؤْمَرُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُتَقَدِّمَ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ حَيْضًا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ تَرَى فِي أَيَّامِهَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا الشَّرْطُ بَعْدُ فَلَا تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ فَأَمَّا فِي الْمُتَأَخِّرِ إنْ رَأَتْ أَيَّامَهَا وَرَأَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا أَيْضًا، وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ فَالْكُلُّ حَيْضٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ أَيَّامِهَا فِي حُكْمِ التَّبَعِ لِأَيَّامِهَا وَيَسْتَقِيمُ إثْبَاتُ التَّبَعِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>