للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُنْغَمِسِ فَرِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْسَعُ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي الْحَوْضِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَاءِ الْجَارِي، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النَّجَاسَةُ يَتَنَجَّسُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ، وَقَالَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُتْرَكُ مِنْ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ قَدْرَ الْحَوْضِ الصَّغِيرِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَخْلُصُ إلَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ هُوَ مُفَسَّرٌ فِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَعَلَى هَذَا قَالُوا: مَنْ اسْتَنْجَى فِي مَوْضِعٍ مِنْ حَوْضٍ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَبْلَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ.

وَأَمَّا التَّقْدِيرُ بِالْمِسَاحَةِ فَقَدْ قَالَ أَبُو عِصْمَةَ كَانَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُقَدِّرُ فِي ذَلِكَ عَشْرَةً فِي عَشْرَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ: لَا أُقَدِّرُ فِيهِ شَيْئًا، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ هَذَا فَقَالَ: إنْ كَانَ مِثْلَ مَسْجِدِي هَذَا فَهُوَ كَبِيرٌ فَلَمَّا قَامَ مَسَحُوا مَسْجِدَهُ فَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ ثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ، وَرُوِيَ أَنَّهُ اثْنَا عَشَرَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ فَكَانَ مَنْ رَوَى ثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ مَسَحَ الْمَسْجِدَ مِنْ دَاخِلٍ، وَمَنْ رَوَى اثْنَيْ عَشَرَ مَسَحَهُ مِنْ خَارِجٍ، وَلَا عِبْرَةَ بِعُمْقِ الْمَاءِ حَتَّى قَالُوا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَنْحَسِرُ بِالِاغْتِرَافِ فَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي.

هَذَا كُلُّهُ فِي بَيَانِ مَذْهَبِنَا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) إذَا كَانَ الْمَاءُ بِقَدْرِ الْقُلَّتَيْنِ لَا يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، وَالْقُلَّةُ اسْمٌ لِجَرَّةٍ تُحْمَلُ مِنْ الْيَمَنِ تَسَعُ فِيهَا قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا فَالْقُلَّتَانِ خَمْسُ قِرَبٍ كُلُّ قِرْبَةٍ خَمْسُونَ مَنًّا فَيَكُونُ جُمْلَتُهُ مِائَتَيْنِ، وَخَمْسِينَ مَنًّا.

وَاسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْمِلُ خَبَثًا» (قُلْنَا) هَذَا ضَعِيفٌ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ بَلَغَنِي بِإِسْنَادٍ لَمْ يَحْضُرْنِي مَنْ ذَكَرَهُ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ» الْحَدِيثَ، وَمِثْلُ هَذَا دُونَ الْمُرْسَلِ، ثُمَّ قِيلَ مَعْنَاهُ لَيْسَ لِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَحْتَمِلُ النَّجَاسَةَ فَيَتَنَجَّسُ بِهِ كَمَا يُقَالُ: مَالُ فُلَانٍ لَا يَحْتَمِلُ السَّرَفَ لِقِلَّتِهِ.

وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الْقُلَّةِ فَقِيلَ إنَّهَا الْقَامَةُ، وَقِيلَ إنَّهُ رَأْسُ الْجَبَلِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إذَا بَلَغَ مَاءُ الْوَادِي قَامَتَيْنِ، أَوْ رَأْسَ الْجَبَلَيْنِ، وَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ مَعْنَاهُ بَحْرًا، وَبِهِ نَقُولُ (وَكَانَ) مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ الْقَلِيلُ، وَالْكَثِيرُ سَوَاءٌ لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِتَغَيُّرِ أَحَدِ أَوْصَافِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَذْهَبَهُ.

قَالَ (وَيَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ مِنْ الْحَوْضِ الَّذِي يَخَافُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ قَذَرٌ، وَلَا يَسْتَيْقِنُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَاءِ الطَّهَارَةُ فَعَلَيْهِ التَّمَسُّكُ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ غَيْرُهُ، وَخَوْفُهُ بِنَاءً عَلَى الظَّنِّ، وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ لِلْحَاجَةِ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ، وَأَصْلُ الطَّهَارَةِ دَلِيلٌ مُطْلَقٌ لَهُ الِاسْتِعْمَالُ فَلَا حَاجَةَ إلَى السُّؤَالِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>