للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصَّلَاتَيْنِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاتَيْنِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَيَّامِ.

وَعَلَى هَذَا الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ شَرْطٌ لِأَدَاءِ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ حَتَّى إنَّ الْحَلَالَ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَالْمُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ صَلَّى الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَصَلَّى الْعَصْرَ مَعَهُ لَمْ يُجْزِهِ الْعَصْرُ إلَّا فِي وَقْتِهَا، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُجْزِيه، وَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يُشْتَرَطُ لِهَذَا الْجَمْعِ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ بِزَوَالِ الشَّمْسِ يَدْخُلُ وَقْتُ الْجَمْعِ، وَيَخْتَصُّ بِهَذَا الْجَمْعِ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ فَيُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ عَلَى الزَّوَالِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ لَا لِأَجْلِ الْوَقْتِ فَإِذَا صَلَّى الْعَصْرَ رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ فَوَقَفَ بِهِ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُهَلِّلُ، وَيُكَبِّرُ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُلَبِّي، وَيَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى بِحَاجَتِهِ.

وَالْحَاصِلُ فِيهِ أَنَّهُ يَقِفُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ الْمَوْقِفِ، الْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ بِالْقُرْبِ مِنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُعَلِّمُ النَّاسَ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ، وَيَدْعُو فَمَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الِاسْتِمَاعِ، وَالتَّأْمِينِ عَلَى دُعَائِهِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ

(قَالَ)، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ إنْ شَاءَ رَاكِبًا، وَإِنْ شَاءَ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَجَعَلَ نَحْرَهَا إلَى بَطْنِ الْمِحْرَابِ فَوَقَفَ عَلَيْهَا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو»، وَفِي الْحَدِيثِ «خَيْرُ الْمَوَاقِفِ مَا اسْتَقْبَلْت بِهِ الْقِبْلَةَ»، وَإِنْ اخْتَارَ بِوُقُوفِهِ مَوْضِعًا آخَرَ بِالْبُعْدِ مِنْ الْإِمَامِ جَازَ لِحَدِيثِ عَطَاءٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ». وَفِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةِ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْتَفِعُوا عَنْ، وَادِي مُحَسِّرٍ، وَفِي وُقُوفِهِ يَدْعُو هَكَذَا» رَوَاهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَفْضَلُ دُعَائِي وَدُعَاءِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي بِعَرَفَاتٍ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. . . إلَى آخِرِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا، اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي». حَدِيثٌ فِيهِ طُولٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَخْتَارُ مِنْ الدُّعَاءِ مَا يَشَاءُ وَاجْتَهَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ لِأُمَّتِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ.

(قَالَ) وَيُلَبِّي فِي هَذَا الْمَوْقِفِ عِنْدَنَا. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَاجُّ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ كَمَا يَقِفُ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّ إجَابَتَهُ بِاللِّسَانِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ، وَقَدْ تَمَّ حُضُورُهُ فَإِنَّ مُعْظَمَ أَرْكَانِ الْحَجِّ الْوُقُوفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>