مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ قِطْعَةٌ فَتُطْبَخَ لَهُ فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهَا، وَحَسَا مِنْ مَرَقِهَا»، وَقَدْ صَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَارِنًا فَدَلَّ أَنَّ دَمَ الْقِرَانِ يُبَاحُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَمَا يَكُونُ فِيهِ زِيَادَةُ نُسُكٍ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَلِهَذَا جَعَلَ التَّمَتُّعَ أَفْضَلَ مِنْ الْإِفْرَادِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ نُسُكٍ إلَّا أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ التَّعْجِيلِ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَاسْتِدَامَةِ إحْرَامِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُمَا، وَفِي حَقِّ التَّمَتُّعِ الْعُمْرَةُ مِيقَاتِيَّةٌ، وَالْحَجَّةُ مَكِّيَّةٌ، وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ شُجَاعٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّ حَجَّةَ الْمُتَمَتِّعِ مَكِّيَّةٌ يُحْرِمُ بِهَا مِنْ الْحَرَمِ، وَالْمُفْرِدُ يُحْرِمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْحِلِّ، وَلِهَذَا جَعَلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْإِفْرَادَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْكُوفَةِ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهُ يُنْشِئُ سَفَرًا مَقْصُودًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَهَى النَّاسَ عَنْ الْمُتْعَةِ فَقَالَ: مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَا أَنْهَى النَّاسَ عَنْهُمَا مُتْعَةُ النِّسَاءِ وَمُتْعَةُ الْحَجِّ، وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَخْلُوَ الْبَيْتُ عَنْ الزُّوَّارِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَعْتَمِرُوا بِسَفَرٍ مَقْصُودٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَيْ لَا يَخْلُوَ الْبَيْتُ مِنْ الزُّوَّارِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا أَنْ يَكُونَ التَّمَتُّعُ مَكْرُوهًا عِنْدَهُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: كُنْت امْرَأً نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمْتُ فَوَجَدْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَاجِبَتَيْنِ عَلَيَّ فَقَرَنْتُ بَيْنَهُمَا فَلَقِيتُ نَفَرًا مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِمْ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ، وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: هُوَ أَضَلُّ مِنْ بَعِيرِهِ فَلَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: مَا قَالَا لَيْسَ بِشَيْءٍ هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ مَنْ أَرَادَ الْقِرَانَ فَتَأَهُّبُهُ لِلْإِحْرَامِ كَتَأَهُّبِ الْمُفْرِدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّهُ فِي دُعَائِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ. وَكَذَلِكَ يُلَبِّي بِهِمَا وَيَقُولُ: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ مَعًا، وَإِنَّمَا يُقَدِّمُ ذِكْرَ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَهَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] وَلِأَنَّهُ فِي أَدَاءِ الْأَفْعَالِ يَبْدَأُ بِالْعُمْرَةِ فَكَذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ يَبْدَأُ فِي التَّلْبِيَةِ بِذِكْرِ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ اكْتَفَى بِالنِّيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي التَّلْبِيَةِ أَجْزَأَهُ عَلَى قِيَاسِ الصَّلَاةِ إذَا نَوَى بِقَلْبِهِ الصَّلَاةَ وَكَبَّرَ
(قَالَ) ثُمَّ يَبْدَأُ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى نَحْوِ مَا وَصَفْنَا فِي الْحَجِّ ثُمَّ يَطُوفُ لِلْحَجِّ بِالْبَيْتِ، وَيَسْعَى لَهُ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، وَهَذَا عِنْدَنَا أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ، وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَطُوفُ طَوَافًا وَاحِدًا، وَيَسْعَى سَعْيًا وَاحِدًا، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute