للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْحَدَثِ أَصْلًا، وَلِهَذَا لَوْ أَبْصَرَ الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ كَانَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا مَعْنَى التَّعَبُّدِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ النِّيَّةِ. يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ النِّيَّةَ تَقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْفِعْلِ فِي التَّيَمُّمِ حَتَّى إذَا أَصَابَ الْغُبَارُ وَجْهَهُ، وَذِرَاعَيْهِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ التَّيَمُّمِ. وَفِي الْوُضُوءِ، وَالِاغْتِسَالِ لَا مُعْتَبَرَ بِالْفِعْلِ حَتَّى إذَا سَالَ مَاءُ الْمَطَرِ عَلَى أَعْضَائِهِ زَالَ بِهِ الْحَدَثُ فَكَذَلِكَ بِدُونِ النِّيَّةِ.

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالتَّمَسُّحِ بِالْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ) لِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فَوَضَعْنَا لَهُ مَاءً فَاغْتَسَلَ، وَالْتَحَفَ بِمِلْحَفَةٍ وَرْسِيَّةٍ حَتَّى أَثَّرَ الْوَرْسُ فِي عُكَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وَلِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَلْبَسَ ثِيَابَهُ فَإِنَّ مَنْ اغْتَسَلَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ لَا يَأْمُرُهُ أَحَدٌ بِالْمُكْثِ عُرْيَانًا حَتَّى يَجِفَّ فَلَعَلَّهُ يَمُوتُ قَبْلَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّمَسُّحِ بِثِيَابِهِ، أَوْ بِمِنْدِيلٍ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مَا زَايَلَ الْعُضْوَ فَأَمَّا الْبَلَّةُ الْبَاقِيَةُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ حَتَّى لَوْ جَفَّ كَانَ طَاهِرًا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْسَحَ ذَلِكَ بِالْمِنْدِيلِ.

قَالَ (وَلَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ، أَوْ يُعَاوِدَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ) لِحَدِيثِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصِيبُ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَنَامُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً فَإِذَا انْتَبَهَ رُبَّمَا عَاوَدَ، وَرُبَّمَا قَامَ فَاغْتَسَلَ»، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ بِغُسْلِ وَاحِدٍ فَكُنَّا نَتَحَدَّثُ بِذَلِكَ فِيمَا بَيْنَنَا، وَنَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُعْطِيَ قُوَّةَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا».

قَالَ (وَإِنْ تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ فَهُوَ أَفْضَلُ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابَ مِنْ أَهْلِهِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ نَامَ»، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ، وَالْوُضُوءَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ لَا لِلنَّوْمِ، وَالْمُعَاوَدَةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ ازْدَادَ نَظَافَةً فَكَانَ أَفْضَلَ.

(فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ، وَيَتَمَضْمَضَ، ثُمَّ يَأْكُلُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجُنُبِ أَيَأْكُلُ، وَيَشْرَبُ قَالَ نَعَمْ إذَا تَوَضَّأَ»، وَالْمُرَادُ غَسْلُ الْيَدِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَا تَخْلُو عَنْ نَجَاسَةٍ عَادَةً فَالْمُسْتَحَبُّ إزَالَتُهَا بِالْمَاءِ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَتَوَضَّأْ حَتَّى شَرِبَ كَانَ مِنْ وَجْهٍ شَارِبًا لِلْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ يَدِهِ أَصْلٌ، وَفِي النَّجَاسَةِ شَكٌّ.

قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ الْجَبَائِرُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مَسَحَ عَلَيْهَا)، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُجَّ وَجْهُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَدَاوَاهُ بِعَظْمٍ بَالٍ، وَعَصَبَ عَلَيْهِ فَكَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْعِصَابَةِ»، «وَلَمَّا كُسِرَتْ إحْدَى زَنْدَيْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَوْمَ حُنَيْنٍ حَتَّى سَقَطَ اللِّوَاءُ مِنْ يَدِهِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْعَلُوهَا فِي يَسَارِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>