أَشْوَاطٍ أَكْمَلَ ذَلِكَ مِنْ طَوَافِ الصَّدَرِ كَمَا بَيَّنَّا، وَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ مِنْهُ صَدَقَةٌ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ عَنْ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي تَأْخِيرِ الْأَقَلِّ مَا يَجِبُ فِي تَأْخِيرِ الْكُلِّ ثُمَّ قَدْ بَقِيَ مِنْ طَوَافِ الصَّدَرِ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ فَإِنَّمَا تَرَكَ الْأَقَلَّ مِنْهَا فَيَكْفِيهِ لِكُلِّ شَوْطٍ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَقُومُ مَقَامَ جَمِيعِ طَوَافِ الصَّدَرِ فَلَا يَجِبُ فِي تَرْكِ أَقَلِّهِ مَا يَجِبُ فِي تَرْكِ كُلِّهِ، وَلَوْ طَافَ لِلصَّدَرِ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَفَاحُشِ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ، وَيَكُونُ هُوَ كَالتَّارِكِ لِطَوَافِ الصَّدَرِ أَصْلًا، وَلَوْ طَافَ لِلصَّدَرِ وَهُوَ مُحْدِثٌ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِقِلَّةِ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَوَّى بَيْنَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْجُنُبِ مُعْتَدٌّ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْإِحْرَامِ يَحْصُلُ بِهِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ هَذَا النُّقْصَانِ مَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ أَصْلًا
(قَالَ) وَلَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ مَنْكُوسًا بِأَنْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ ثُمَّ أَخَذَ عَلَى يَسَارِ الْكَعْبَةِ، وَطَافَ كَذَلِكَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ عِنْدَنَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ فِي حُكْمِ التَّحَلُّلِ، وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ الْإِعَادَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الطَّوَافَ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى مَنْكُوسًا بِأَنْ بَدَأَ بِالتَّشَهُّدِ لَا يَجْزِيهِ فَكَذَلِكَ الطَّوَافُ.
وَلَنَا الْأَصْلُ الَّذِي قُلْنَا أَنَّ الثَّابِت بِالنَّصِّ الدَّوَرَانُ حَوْلَ الْبَيْتِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ أَخَذَ، وَلَكِنْ بِفِعْلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَخَذَ عَلَى يَمِينِهِ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ هَذَا فَكَانَتْ هَذِهِ صِفَةٌ وَاجِبَةٌ فِي هَذَا الرُّكْنِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الطَّهَارَةِ عِنْدَنَا فَتَرْكُهُ لَا يَمْنَعُ الِاعْتِدَادَ بِهِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ فِيهِ نُقْصَانًا يُجْبَرُ بِالدَّمِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ مَعْقُولٌ، وَهُوَ تَعْظِيمُ الْبُقْعَةِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ مِنْ أَيِّ جَانِبِ أَخَذَ فَعَرَفْنَا أَنَّ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبِدَايَةِ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ لِبَيَانِ صِفَةِ الْإِتْمَامِ لَا لِبَيَانِ صِفَةِ الرُّكْنِيَّةِ بِخِلَافِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْنَا بِمَا لَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ فِي السَّعْيِ حَيْثُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِمَا أَنَّهُ أَدَّاهُ مَنْكُوسًا فَمِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ: يُعْتَدُّ بِهِ، وَلَكِنْ يَكُونُ مَكْرُوهًا. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ لَا لِكَوْنِهِ مَنْكُوسًا، وَلَكِنْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ صُعُودُ الصَّفَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَالْمَرْوَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِذَا بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ فَإِنَّمَا صَعِدَ الصَّفَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْعَدَ الصَّفَا مَرَّةً أُخْرَى، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ إلَّا بِإِعَادَةِ شَوْطٍ وَاحِدٍ مِنْ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَمَّا هُنَا مَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ أَصْلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَقَدْ دَارَ حَوْلَ الْبَيْتِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَلِهَذَا كَانَ طَوَافُهُ مُعْتَدًّا بِهِ
(قَالَ) وَإِنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute