وَصَلَّى بِهَا الْفَجْرَ ثُمَّ غَدَا مِنْهَا إلَى عَرَفَاتٍ، وَمَرَّ بِمِنًى أَجْزَأَهُ لِمَا بَيَّنَّا، وَقَدْ أَسَاءَ فِي تَرْكِهِ الِاقْتِدَاءَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّهُ أَقَامَ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ» كَمَا رَوَاهُ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُفَسَّرًا.
(قَالَ) ثُمَّ يَنْزِلُ حَيْثُ أَحَبَّ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَيَصْعَدُ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ، وَهُوَ عَلَيْهِ فَإِذَا فَرَغَ قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَلَبَّى، وَهَلَّلَ وَكَبَّرَ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَوَعَظَ النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى بِحَاجَتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْحَجِّ عِنْدَنَا ثَلَاثَةَ خُطَبٍ إحْدَاهَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ، وَالثَّانِيَةُ يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ، وَالثَّالِثَةُ فِي الْغَدِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ بِمِنًى فَيَخْطُبُ بِمَكَّةَ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ يُعَلِّمُهُمْ كَيْفَ يُحْرِمُونَ بِالْحَجِّ، وَكَيْفَ يَخْرُجُونَ مِنْهَا إلَى مِنًى، وَكَيْفَ يَتَوَجَّهُونَ إلَى عَرَفَاتٍ، وَكَيْفَ يَنْزِلُونَ بِهَا ثُمَّ يُمْهِلُهُمْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ حَتَّى يَعْمَلُوا بِمَا عَلَّمَهُمْ ثُمَّ يَخْطُبُ يَوْمَ عَرَفَةَ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَفِي يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ يُمْهِلُهُمْ لِيَعْمَلُوا بِمَا عَلَّمَهُمْ ثُمَّ يَخْطُبُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا بَقِيَّةَ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِ النُّسُكِ.
وَعَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ يَخْطُبُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمِنًى، وَيَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ، وَيَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ يَقِفُ، وَيَوْمَ النَّحْرِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَأَرْكَانُ الْحَجِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الثَّلَاثَةُ فَيَخْطُبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَأْتِي فِيهِ بِذَلِكَ الرُّكْنِ ثُمَّ بَيَّنَ فِي الْكِتَابِ كَيْفِيَّةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ، وَاشْتِرَاطُ الْإِمَامِ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا الْفَصْلِ بِتَمَامِهِ
(قَالَ) وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ شَيْئًا مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ فَهُوَ كَإِدْرَاكِ جَمِيعِ الصَّلَاةِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى قِيَاسِ الْجُمُعَةِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ مِنْهَا كَانَ مُدْرِكًا الْجُمُعَةَ
(قَالَ) وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الظُّهْرِ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِيمَا كَانَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الصَّلَاتَيْنِ فَيَقُومُ خَلِيفَتُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ.
(قَالَ) فَإِنْ رَجَعَ الْإِمَامُ فَأَدْرَكَ مَعَهُ جُزْءًا مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِأَوَّلِ الظُّهْرِ لِآخِرِ الْعَصْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى فَرَغَ خَلِيفَتُهُ مِنْ الْعَصْرِ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يُصَلِّي الْعَصْرَ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ هُنَا كَالْإِمَامِ، وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجُمُعَةِ فِي هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ إذَا نَفَرَ النَّاسُ عَنْهُ فَصَلَّى وَحْدَهُ الصَّلَاتَيْنِ أَجْزَأَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَقِيلَ مَا ذَكَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute