للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْإِتْمَامِ بَعْدَ الشُّرُوعِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَمَا عَرَفْنَا ابْتِدَاءَ فَرِيضَةِ الْحَجِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَلْ عَرَفْنَاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {، وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧]، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَقْصُودَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ حَاصِلٌ بِفَرِيضَةِ نُسُكٍ وَاحِدٍ فَلَا تَثْبُتُ صِفَةُ الْفَرِيضَةِ فِي عَدَدٍ مِنْهُ، وَلِهَذَا لَا يَتَكَرَّرُ فَرِيضَةُ الْحَجِّ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَرِيضَةٌ أَيْ مُقَدَّرَةٌ بِأَعْمَالٍ كَالْحَجِّ فَإِنَّ الْفَرْضَ هُوَ التَّقْدِيرُ، وَبِهِ نَقُولُ أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ فَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْآثَارَ قَدْ اشْتَبَهَتْ فِيهِ، وَلَكِنَّ صِفَةَ الْفَرِيضَةِ مَعَ اشْتِبَاهِ الْأَدِلَّةِ لَا تَثْبُتُ فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّ أَصْلَهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ بَلْ هُوَ تَبَعٌ لِلْحَجِّ لَا يَكُونُ وُجُوبُ الْبَدَنَةِ بِالْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْعُمْرَةِ، وَعِنْدَهُ لَمَّا كَانَ فَرْضًا وَجَبَ بِالْجِمَاعِ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الْحَجِّ.

(وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ) الْقَارِنُ إذَا جَامَعَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَقَدْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ فَإِنَّمَا جَامَعَ بَعْدَ تَأَكُّدِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ بِهَذَا الْجِمَاعِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَجْلِهِ، وَجَامَعَ قَبْلَ تَأَكُّدِ إحْرَامِ الْحَجِّ فَيَفْسُدُ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَعْجِيلِ الْإِحْلَالِ، وَقَضَاءِ الْحَجِّ، وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ بِفَسَادِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ، وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَعَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ دَمٌ، وَلِلْحَجِّ جَزُورٌ، وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْسُدُ وَاحِدٌ مِنْ النُّسُكَيْنِ بِهَذَا الْجِمَاعِ

(قَالَ) وَكَذَلِكَ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ يَرُدُّ بِهِ فِي وُجُوبِ الْجَزُورِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ لِلْحَجِّ فِي حَقِّ النِّسَاءِ بَاقٍ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ دَمُ الْعُمْرَةِ هُنَا؛ لِأَنَّ تَحَلُّلَهُ لِلْعُمْرَةِ قَدْ تَمَّ بِالْحَلْقِ

(قَالَ) وَمَنْ جَامَعَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَةَ فَسَدَ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ لَا يَتَأَكَّدُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْوُقُوفِ، وَإِنَّمَا يَتَأَكَّدُ بِفِعْلِ الْوُقُوفِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْآمَنَ مِنْ الْفَوَاتِ لَا يَحْصُلُ بِدُخُولِ وَقْتِهِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْوُقُوفِ فَكَانَ هَذَا، وَمَا لَوْ جَامَعَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْوُقُوفِ سَوَاءٌ

(قَالَ) وَإِذَا وَقَفَ الْقَارِنُ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ جَامَعَ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إحْرَامَهُ لِلْعُمْرَةِ قَدْ ارْتَفَضَ بِالْوُقُوفِ وَلَزِمَهُ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ، وَعَلَيْهِ جَزُورٌ لِلْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ جِمَاعَهُ صَادَفَ إحْرَامَ الْحَجِّ بَعْدَمَا تَأَكَّدَ فَيُتِمُّ حَجَّهُ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْعُمْرَةِ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ

(قَالَ) وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَخَافَ الْفَوْتَ إنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ، وَوَقَفَ أَجْزَأَهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَقْتِ هَكَذَا نُقِلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَقْتِ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الشَّرْعَ عَيَّنَ الْمِيقَاتَ لِلْإِحْرَامِ فَبِتَأْخِيرِهِ الْإِحْرَامَ عَنْ الْمِيقَاتِ يَتَمَكَّنُ فِيهِ النُّقْصَانُ، وَنَقَائِصُ الْحَجِّ تُجْبَرُ بِالدَّمِ، وَلَمَّا اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ يَخْتَارُ أَهْوَنَهُمَا، وَالْتِزَامُ الدَّمِ أَهْوَنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الْمِيقَاتِ لِتَفْوِيتِهِ الْحَجَّ

(قَالَ) وَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>