للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَتَأَدَّى بِهِ فَرْضُ الْحَجِّ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ يُوَفِّرُ حَظَّهُ عَلَيْهِمَا فَلِشَبَهِهِ بِالشَّرَائِطِ يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَلِشَبَهِهِ بِالْأَرْكَانِ يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَقِيلَ بَلْ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ إذَا طَالَ مُكْثُهُ فِي الْإِحْرَامِ

(قَالَ) وَيَجْمَعُ الْإِمَامُ بَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ فَإِنْ تَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا أَقَامَ لِلْعِشَاءِ إقَامَةً أُخْرَى، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا تَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا أَذَّنَ، وَأَقَامَ لِلْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا قَدْ تَحَقَّقَ بِالِاشْتِغَالِ بِالتَّطَوُّعِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُؤَدِّي كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا فَعَلَيْهِ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَا يَنْقَطِعُ بِهَذَا الْفَصْلِ كَمَا لَا يَنْقَطِعُ إذَا اشْتَغَلَ بِالْأَكْلِ، وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إعْلَامِ النَّاسِ أَنَّهُ يُصَلِّي الْعِشَاءَ، وَبِالْإِقَامَةِ يَتِمُّ هَذَا الْإِعْلَامُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ لِلْعِشَاءِ فَإِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِعَرَفَاتٍ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ صَلَّاهَا فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ أَوْ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا بِمُزْدَلِفَةَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُكْرَهُ مَا صَنَعَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْفَرْضَ فِي وَقْتِهِ فَإِنَّ مَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقْتُ الْمَغْرِبِ بِالنُّصُوصِ الظَّاهِرَةِ، وَأَدَاءُ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا صَحِيحٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعِدْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ، وَلَوْ لَمْ يَقَعْ مَا أَدَّى مَوْقِعَ الْجَوَازِ لَمَا سَقَطَ عَنْهُ الْإِعَادَةُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِحَدِيثِ «أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ كَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الصَّلَاةُ أَمَامَك»، وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا فِعْلَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ حَرَكَاتُ الْمُصَلِّي، وَهُوَ مَعَهُ فَإِمَّا إنْ أَرَادَ بِهِ الْوَقْتَ أَوْ الْمَكَانَ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَكَانَ فَقَدْ بَيَّنَ بِهَذَا النَّصِّ اخْتِصَاصَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِمَكَانٍ، وَهُوَ الْمُزْدَلِفَةُ فَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْوَقْتَ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ فِي حَقِّ الْحَاجِّ لَا يَدْخُلُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، وَأَدَاءُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ فِي الِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ انْقِطَاعَ سَيْرِهِ فَإِنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا فَرِيضَةٌ فَلَا يَسْقُطُ بِهَذَا الْعُذْرِ، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ بِالتَّأْخِيرِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَفُوتُ بِأَدَاءِ الْمَغْرِبِ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ بَعْدَ الْوُصُولِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ لِيَصِيرَ جَمْعًا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ كَمَا هُوَ الْمَشْرُوعُ نُسُكًا، وَلِهَذَا سَقَطَتْ عَنْهُ الْإِعَادَةُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ لِمَكَانِ إدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا بَقِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>