الْجِمَارِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ تَفَرُّقُ الْأَعْمَالِ لَا عَيْنُ الْحَصَيَاتِ فَإِذَا أَتَى بِفِعْلٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ كَفَّارَةَ الْيَمَنِ مِسْكِينًا وَاحِدًا مَكَانَ إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ جُمْلَةً لَمْ يُجْزِهِ إلَّا عَنْ إطْعَامِ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ
(قَالَ) وَإِنْ رَمَاهَا بِأَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ حَصَيَاتٍ لَمْ تَضُرَّهُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
(قَالَ) وَإِنْ نَقَصَ حَصَاةٍ لَا يَدْرِي مِنْ أَيَّتُهُنَّ نَقَصَهَا أَعَادَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ حَصَاةً وَاحِدَةً أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْعِبَادَةِ كَمَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيُّهَا تَرَكَ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ
(قَالَ) وَإِنْ قَامَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ وَوَضَعَ الْحَصَاةَ عِنْدَهَا وَضْعًا لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِعْلُ الرَّمْيِ، وَالْوَاضِعُ غَيْرُ رَامٍ، وَإِنْ طَرَحَهَا طَرْحًا أَجْزَأَهُ، وَقَدْ أَسَاءَ؛ لِأَنَّ الطَّارِحَ رَامٍ إلَّا أَنَّ الرَّمْيَ تَارَةً يَكُونُ أَمَامَهُ وَتَارَةً يَكُونُ عِنْدَ قَدَمَيْهِ بِالطَّرْحِ، وَلَكِنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالَفَةِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصْفًا
(قَالَ) فَإِنْ رَمَاهَا مِنْ بَعِيدٍ فَلَمْ تَقَعْ الْحَصَاةُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ فَإِنْ وَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْهَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِمَّا لَا يَتَأَتَّى التَّحَرُّزُ عَنْهُ خُصُوصًا عِنْدَ كَثْرَةِ الزِّحَامِ، وَإِنْ وَقَعَتْ بَعِيدًا مِنْهَا لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ قُرْبَةٌ فِي مَكَان مَخْصُوصٍ فَفِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ لَا يَكُونُ قُرْبَةً
(قَالَ) وَإِنْ رَمَاهَا بِحَصَاةٍ أَخَذَهَا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَ الْجَمْرَةِ مِنْ الْحَصَى مَرْدُودٌ فَيَتَشَاءَمُ بِهِ، وَلَا يَتَبَرَّكُ بِهِ، وَبَيَانُهُ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا بَالُ الْجِمَارِ تُرْمَى مِنْ وَقْتِ الْخَلِيلِ صَلَاةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَلَمْ تَصِرْ هِضَابًا تَسُدُّ الْأُفُقَ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ مَنْ يُقْبَلُ حَجُّهُ رُفِعَ حَصَاهُ، وَمَنْ لَمْ يُقْبَلْ حَجُّهُ تُرِكَ حَصَاهُ حَتَّى قَالَ مُجَاهِدٌ لَمَّا سَمِعْتُ هَذَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلْتُ عَلَى حَصَيَاتِي عَلَامَةً ثُمَّ تَوَسَّطْتُ الْجَمْرَةَ فَرَمَيْت مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثُمَّ طَلَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ بِتِلْكَ الْعَلَامَةِ شَيْئًا مِنْ الْحَصَى فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا إنَّ مَا بَقِيَ فِي مَوْضِعِ الرَّمْيِ مَرْدُودٌ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا يُجْزِئُهُ لِوُجُودِ فِعْلِ الرَّمْيِ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ لَا يُجْزِئُهُ، وَهَذَا عَجَبٌ مِنْ مَذْهَبِهِ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ التَّوَضُّؤَ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَلَا يُجَوِّزُ الرَّمْيَ بِمَا قَدْ رُمِيَ بِهِ مِنْ الْأَحْجَارِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِعْلَ الرَّمْيِ لَا يُغَيِّرُ صِفَةَ الْحِجَارَةِ.
(قَالَ) فَإِنْ لَمْ يَقُمْ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَقُومُ النَّاسُ عِنْدَهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ سُنَّةٌ فَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ إلَّا الْإِسَاءَةَ
(قَالَ) وَإِنْ كَانَ أَقَامَ أَيَّامَ مِنًى بِمَكَّةَ غَيْرَ أَنَّهُ يَأْتِي مِنًى فِي كُلِّ يَوْمٍ فَيَرْمِي الْجِمَارَ فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَا تَرَكَ إلَّا السُّنَّةَ، وَهِيَ الْبَيْتُوتَةُ بِمِنًى فِي لَيَالِي الرَّمْيِ، وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute