للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي قَتْلِ صَيْدِ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ كَمَالَ جِنَايَتِهِ بِانْضِمَامِ مَعْنَى الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ إلَى فِعْلِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ تَكَامَلَتْ جِنَايَتُهُ فَلَزِمَهُ الدَّمُ، وَإِذَا فَعَلَهُ بِغَيْرِهِ لَا تَتَكَامَلُ جِنَايَتُهُ فَتَكْفِيهِ الصَّدَقَةُ

(قَالَ) وَإِذَا حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ مُحْرِمٍ آخَرَ فَإِنْ فَعَلَهُ بِأَمْرِهِ فَعَلَى الْمَحْلُوقِ دَمٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْغَيْرِ بِأَمْرِهِ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ، وَمَعْنَى الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ لَهُ مُتَحَقِّقٌ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ، وَعَلَى الْحَالِقِ رَأْسَهُ صَدَقَةٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ جَانٍ فِي أَصْلِ فِعْلِهِ، وَإِنْ حَلَقَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِأَنْ كَانَ الْمُحْرِمُ نَائِمًا فَجَاءَ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ دَمٌ عِنْدَنَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُخْرِجُ الْمُكْرَهَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُؤَاخَذًا بِحُكْمِ الْفِعْلِ، وَالنَّوْمُ أَبْلَغُ مِنْ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُفْسِدُ قَصْدَهُ، وَبِالنَّوْمِ يَنْعَدِمُ الْقَصْدُ أَصْلًا، وَعِنْدَنَا بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ وَالنَّوْمِ يَنْتَفِي عَنْهُ الْإِثْمُ، وَلَكِنْ لَا يَنْتَفِي حُكْمُ الْفِعْلِ إذَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ، وَالسَّبَبُ هُنَا مَا نَالَ مِنْ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ بِإِزَالَةِ التَّفَثِ عَنْ بَدَنِهِ، وَذَلِكَ حَصَلَ لَهُ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ. وَلَا يَتَخَيَّرُ هُنَا بَيْنَ أَجْنَاسِ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْعُذْرُ سَمَاوِيٌّ وُجِدَ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ، وَهُنَا الْعُذْرُ بِسَبَبٍ وُجِدَ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَيُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ الذَّنْبِ، وَلَا يَخْرُجُ بِهِ الدَّمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَعَيَّنًا عَلَيْهِ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْمَحْلُوقُ رَأْسُهُ بِهَذَا الدَّمِ عَلَى الْحَالِقِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ، وَأَلْزَمَهُ هَذَا الْغُرْمَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَزِمَهُ ذَلِكَ لِمَعْنَى الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ، وَهُوَ حَاصِلٌ لَهُ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا لَا يَرْجِعُ الْمَغْرُورُ بِالْعُقْرِ؛ لِأَنَّهُ بِمُقَابَلَةِ اللَّذَّةِ الْحَاصِلَةِ لَهُ بِالْوَطْءِ وَالْجَوَابُ فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ هُنَا كَالْجَوَابِ فِي الْحَلْقِ

(قَالَ) وَإِذَا أَخَذَ الْمُحْرِمُ مِنْ شَارِبِهِ أَوْ مِنْ رَأْسِهِ شَيْئًا أَوْ مَنْ مَسَّ مِنْ لِحْيَتِهِ فَانْتَثَرَ مِنْهَا شَعْرٌ فَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ صَدَقَةٌ لِوُجُودِ أَصْلِ الْجِنَايَةِ بِمَا أَزَالَهُ مِنْ بَدَنِهِ، وَلَكِنْ لَمْ تَتِمَّ جِنَايَتُهُ حِينَ فَعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لِتَحْصِيلِ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ فَتَكْفِيهِ الصَّدَقَةُ

(قَالَ) وَإِنْ أَخَذَ ثُلُثَ رَأْسِهِ أَوْ ثُلُثَ لِحْيَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الرُّبُعَ فِي الْكِتَابِ، وَالْجَوَابُ: فِي الرُّبُعِ كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّأْسِ فَالرُّبُعُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْكَمَالِ كَمَا فِي الْحَلْقِ عِنْدَ التَّحَلُّلِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَلْقَ بَعْضِ الرَّأْسِ لِمَعْنَى الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ مُعْتَادٌ فَإِنَّ الْأَتْرَاكَ يَحْلِقُونَ أَوْسَاطَ رُءُوسِهِمْ، وَبَعْضُ الْعَلَوِيَّةِ يَحْلِقُونَ نَوَاصِيَهُمْ لِابْتِغَاءِ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ فَتَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَالْجِنَايَةُ الْمُتَكَامِلَةُ تُوجِبُ الْجَبْرَ بِالدَّمِ ثُمَّ الْأَصْلُ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ مَتَى حَلَقَ عُضْوًا مَقْصُودًا بِالْحَلْقِ مِنْ بَدَنِهِ قَبْلَ أَوَانِ التَّحَلُّلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ حَلَقَ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَمِمَّا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ: حَلْقُ شَعْرِ الصَّدْرِ أَوْ السَّاقِ، وَمِمَّا هُوَ مَقْصُودٌ: حَلْقُ الرَّأْسِ أَوْ الْإِبْطَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>