دَمُ الْإِحْصَارِ لَا يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلتَّحَلُّلِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ إنَّهُ فِي مَعْنَى دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ إلَّا لِلْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَإِنَّهُ يُبَاحُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ لِلْأَغْنِيَاءِ ثُمَّ وُجُوبُ هَذَا الدَّمِ لِلتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَإِنَّ أَوَانَ التَّحَلُّلِ مَا بَعْدَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ، وَالْمُحْصَرُ يَتَحَلَّلُ قَبْلَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ فَكَانَ فِي فِعْلِهِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ، وَإِنْ أُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ لِلْعُذْرِ فَالدَّمُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ يَكُونُ كَفَّارَةً لَا يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالدَّمِ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ بِرَأْسِهِ أَذًى فَأَمَّا التَّطَوُّعَاتُ مِنْ الدَّمِ يَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَذَبْحُهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَاتِ هَدَايَا وَالْوَاجِبُ فِي الْهَدَايَا تَبْلِيغُهَا إلَى الْحَرَمِ فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ يَجُوزُ ذَبْحُهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَفِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي إرَاقَةِ الدَّمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَظْهَرُ
(قَالَ) وَيُبَاحُ التَّنَاوُلُ مِنْ هَدْيِ الْمُتْعَةِ، وَالْقِرَانِ، وَالتَّطَوُّعِ بِمَنْزِلَةِ الْأُضْحِيَّةِ، وَالْجَوَابُ فِي الْأُضْحِيَّةِ مَعْلُومٌ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ يَتَأَدَّى بِإِرَاقَةِ الدَّمِ فَإِنَّهُ يُبَاحُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ لِلْمُضَحِّي، وَلِمَنْ شَاءَ الْمُضَحِّي مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ فَإِنْ أَكَلَ الْمُضَحِّي كُلَّهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ، وَيَأْكُلَ الثُّلُثَيْنِ فَكَذَلِكَ فِيمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأُضْحِيَّةِ مِنْ الْهَدَايَا أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَاوَلَ مِنْ هَدَايَاهُ حَتَّى أَمَرَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ قِطْعَةٌ فَتُطْبَخَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ التَّصَدُّقَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ لَمَا أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا شَيْئًا فَكَمَا يُبَاحُ لَهُ تَنَاوُلُ لُحُومِ هَذِهِ الْهَدَايَا يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا أَيْضًا، وَلَا يُنْتَفَعُ بِجُلُودِ غَيْرِهَا مِنْ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا يَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا هَكَذَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَاجِيَةَ حِينَ بَعَثَ بِالْهَدَايَا عَلَى يَدَيْهِ، وَقَالَ تَصَدَّقْ بِجِلَالِهَا، وَخُطُمِهَا» فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّصَدُّقِ بِجُلُودِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى
(قَالَ) وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا، وَلَا مِنْ غَيْرِهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْجَزَّارُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ.
(قَالَ) وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ لُحُومِ الْهَدَايَا بِثَمَنٍ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتِّجَارَةِ فِيهَا وَلَوْلَا الْإِذْنُ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لَمَا أُبِيحَ لَهُ تَنَاوُلُ بَعْضِهَا، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْإِذْنِ فِي التَّنَاوُلِ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ الْإِذْنُ فِي التَّنَاوُلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: ٢٨].
(قَالَ) وَإِذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ لَحْمِهَا بِثَمَنٍ أَوْ أَعْطَى الْجَزَّارَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ مِنْ اللَّحْمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ حَقَّ الْفُقَرَاءِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ بِصَرْفِهِ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute