وَالْقِيمَةُ مِثْلٌ مَعْنًى لَا صُورَةً، وَفِي قَوْلِهِ مِنْ النَّعَمِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً.
وَعَلَى هَذَا اتَّفَقَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا مَا سَمَّيْنَا مِنْ النَّظَائِرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَخْذًا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ فَسَّرَ الْمِثْلَ بِالْقِيمَةِ، وَالْمَعْنَى الْفِقْهِيُّ يَشْهَدُ لَهُ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي حَقِّ حُقُوقِ الْعِبَادَةِ يَكُونُ الْحَيَوَانُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ دُونَ الْمِثْلِ فَكَذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَمَا أَنَّ الْمِثْلَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ هُنَا فَكَذَلِكَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَبْلَغُ مِنْهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ النَّعَامَةُ مِثْلًا لِلنَّعَامَةِ كَيْفَ تَكُونُ الْبَدَنَةُ مِثْلًا لِلنَّعَامَةِ، وَالْمِثْلُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ فَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ الشَّيْءِ مِثْلًا لِغَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مِثْلًا لَهُ ثُمَّ لَا تَكُونُ النَّعَامَةُ مِثْلًا لِلْبَدَنَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَكَذَلِكَ لَا تَكُونُ الْبَدَنَةُ مِثْلًا لِلنَّعَامَةِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ صُورَةً وَجَبَ اعْتِبَارُهَا بِالْمَعْنَى، وَهُوَ الْقِيمَةُ فَأَمَّا قَوْلُهُ مِنْ النَّعَمِ فَقَدْ قِيلَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَمَعْنَاهُ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ مِنْ النَّعَمِ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَصْمَعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ اسْمَ النَّعَمِ يَتَنَاوَلُ الْأَهْلِيَّ وَالْوَحْشِيَّ جَمِيعًا، وَمَعْنَاهُ فَجَزَاءٌ قِيمَةُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ الْوَحْشِيِّ، وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا أَوْلَى لِأَنَّ قَوْلَهُ فَجَزَاءٌ مَصْدَرٌ، وَمَا ذَكَرَ بَعْدَهُ وَصْفٌ فَإِنَّمَا يَكُونُ وَصْفًا لِلْمَذْكُورِ، وَذَلِكَ إذَا حُمِلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِيجَابُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِهَذِهِ النَّظَائِرِ لَا بِاعْتِبَارِ أَعْيَانِهَا بَلْ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ إلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَابَ الْمَوَاشِي فَكَانَ ذَلِكَ أَيْسَرَ عَلَيْهِمْ مِنْ النُّقُودِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَدُ الْمَغْرُورِ يَفُكُّ الْغُلَامَ بِالْغُلَامِ، وَالْجَارِيَةَ بِالْجَارِيَةِ. الْمُرَادُ الْقِيمَةُ، وَالِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ أَحَدُهَا مَا بَيَّنَّا، وَالثَّانِي أَنَّ الَّذِي أَتَى الْحَكَمَيْنِ يُقَوِّمُ الصَّيْدَ فَإِذَا ظَهَرَتْ قِيمَتُهُ فَالْخِيَارُ إلَى الْمُحْرِمِ بَيْنَ التَّكْفِيرِ بِالْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخِيَارُ إلَى الْحَكَمَيْنِ فَإِذَا عَيَّنَا نَوْعًا عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ بِهِ بِعَيْنِهِ فَأَمَّا اعْتِبَارُ الْحَكَمَيْنِ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ٩٥].
وَعَلَى طَرِيقَةِ الْقِيَاسِ يَكْفِي الْوَاحِدُ لِلتَّقْوِيمِ، وَإِنْ كَانَ الْمَثْنَى أَحْوَطَ، وَلَكِنْ يُعْتَبَرُ الْمَثْنَى بِالنَّصِّ، وَبَيَانُهُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ رَجُلَيْنِ أَتَيَاهُ فَقَالَ أَحَدُهُمَا إنَّ صَاحِبِي هَذَا كَانَ مُحْرِمًا، وَإِنَّهُ رَمَى إلَى ظَبْيٍ، وَأَصَابَ أَحْشَاءَهُ فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَسَارَّ عُمَرُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِشَيْءٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute